العدد: 9410
الخميس : 22-8-2019
وهل يمكن أن نعدها ضرباً من ضروب التأليف؟! كنت أتساءل وأنا أقرأ شذرات من الشعر الياباني المترجم، وأشعر بدفء كل كلمة وايماءة الصور وبهائها، ولعلي سافرت في خيالي مع الشاعرة اليابانية حين همست في فضاء الروح قائلة: (زوبعي يا أوراق شجرة الكرز في ريح الريح، إلى أن تصلي عتبة داره) وفي مناسبة أخرى استوقفتني كلمات جميلة لشاعرة من بلد آخر هي سيلفيا بلاث حين عبرت مسافات الحنين والوجع قائلة: (أقيم مع السماء محادثة مفتوحة) ويذكر أن الترجمة ازدهرت في العصور الذهبية للحضارة العربية، حيث كان المأمون يعطي مقابل كل كتاب مترجم مقدار وزنه ذهباً، وجاء بعده محمد علي باشا في القرن التاسع عشر وكان يطلب من كل عائد من بعثاته الى أوروبا أن يترجم كتاباً، وحسب قول الرواة كان محمد علي يسجن الموفد في القلعة فور عودته الى مصر ليترجم كتاباً في حقل تخصصه وبعدها يسمح له بالعودة الى بيته وذويه، وهذا ما يعكس أن الترجمة فن قديم حديث أثبت أهميته التاريخية حتى في أزهى عصور التأليف والإبداع، (ما أحوجنا الى ترجمة صادقة وجميلة) هو عنوان مقال قرأته في إحدى الدوريات العربية، يناشد الكاتب من خلاله المترجمين جميعاً ألا يقتلوا روح الإبداع والحس الفني للمادة المترجمة، وأن يقدموا في نفس الوقت مادة صادقة غير مزيفة، ويضيف قائلاً إن الترجمة بدأت تفقد روح الجاذبية في زمن الحواسيب الآلية وكأنها فعلاً قد دخلت في عصور انحطاطها، ونقول بدورنا: ما أحوجنا إلى ترجمة مبدعة تعكس ثقافات عدة ننقلها بوعي وأمانة إلى الأجيال القادمة، ترجمة خالية من الاصطناع وبعيدة عن المكاسب المادية البحتة، لعل هذا ما عبّر عنه الكاتب ميخائيل نعيمة في كلمات موجزة لكنها تحمل في طياتها كل المعاني قائلاً: (فلنترجم، ولو تخيلنا الساحة الأدبية خالية من فن الترجمة، كم من الأعمال العظيمة كانت ستبقى طي العزلة والكتمان).
منى كامل الأطرش