الوحدة- د. رفيف هلال
تتجلى قيمة الكتب التحفيزية في قدرتها على ملامسة وجدان القارئ، وإيقاظ عزيمته من سباتها. ومن بين هذه الكتب التي تركت بصمة واضحة يأتي كتاب “ما لم يخبرني به أبي عن الحياة” للكاتب كريم الشاذلي، الذي قدّم فيه مزيجاً من التجارب الإنسانية، والحِكم المستخلصة من مدرسة الحياة، موجهاً حديثه لكل من يسعى للنجاح ويبحث عن بوصلة تعينه على مواجهة التحديات.
يرى الشاذلي أن الحياة ليست سوى مغامرة ممتدة، تحمل في طياتها رسائل خفية لا يُدركها الإنسان إلا بالتأمل والممارسة. ومن أبرز المحطات التي توقف عندها الكتاب:
صعوبة البدايات، البداية في أي مشروع أو هدف ليست معياراً للإنجاز، بل هي مجرد خطوة أولى في طريق طويل. يشبّه الكاتب البدايات بالصاروخ الذي يستهلك معظم وقوده في لحظة الإقلاع، ليؤكد أن الصبر والهمة العالية هما الوقود الحقيقي للاستمرار. الاستعجال في قطف الثمار كما يوضح كان ولا يزال من أكبر عوائق النجاح منذ القدم.
النجاح لا يُمنح بل يُنتزع، يذكّرنا الكتاب بأن النجاح لا يأتي بالصدفة ولا يُهدى لأحد، بل هو حصيلة جهد ومعاناة وتضحية. يستشهد الشاذلي بما فعله الفنان “مايكل أنجلو” الذي قضى سنوات مضنية ليُنجز لوحة خالدة، ليؤكد أن الإبداع يتطلب صبراً وشغفاً لا حدود له.
الفشل محطة لا نهاية، الفشل في نظر الكاتب ليس وصمة عار، بل تجربة تمنحنا دروساً إضافية على الطريق. ويستشهد بمقولة ونستون تشرشل: “النجاح هو القدرة على الانتقال من فشل إلى فشل دون أن تفقد حماسك”، ليعزز الفكرة بأن الإخفاق ما هو إلا وجه آخر للتعلم.
معادلة الربح والخسارة الطموح العظمة عدم استعجال الشهرة، معادلات النجاح بين الطموح والثقافة وثبات المبادئ، في حياتنا اليومية نواجه معادلات عديدة، بعضها يقودنا نحو النجاح، وبعضها الآخر يضعنا في دوائر ضيقة من الخسارة والتناحر. لكنّ أبسط هذه المعادلات وأكثرها تأثيراً هي تلك التي تحكم علاقتنا بالآخرين. فبدلاً من أن نتمسّك بمعادلة أنا أربح، وأنت تخسر، لماذا لا نؤمن بالمعادلة الأرقى: أنا أربح، وأنت تربح؟ عندها فقط يتحول الصراع إلى تعاون، وتتحول المنافسة إلى إبداع جماعي، فيغدو النصر نشيداً مشتركاً لا نشازاً فردياً.
الطموح: البذرة التي لا تموت، لا يمكن أن يسبق الحصاد الغرس، ولا أن يسبق النصر المعركة. الطموح هو الشرارة التي تدفعنا للاستمرار رغم العثرات، وهو الوقود الذي يمنح للحياة معناها. وكما قيل: “من لم يَزِد شيئاً على الحياة فهو زائد عليها”. فالإنسان بلا طموح كالأرض البور؛ ساكنة، جرداء، بلا أثر.
العظمة صنعة وصبر، قصة بيكاسو الشهيرة تكشف لنا أن العظمة ليست في اللحظة التي يرى فيها الناس الإبداع، بل في السنوات الطويلة التي سبقت تلك اللحظة. ثلاثون ثانية من الرسم قد تساوي ثلاثين عاماً من الجهد والتجربة والتعلّم. العظمة إذن ليست هبة عابرة، بل صنعة تُبنى بالصبر، وتُصقل بالممارسة، وتُتوَّج بالإتقان.
الشهرة لا تأتي على عجل، كثيرون يحترقون شوقاً للتصفيق قبل أن يكتمل أداؤهم. لكن الشهرة ليست غاية في ذاتها، وإنما نتيجة طبيعية للجودة. شوبنهاور ظلّ مجهولاً حتى بلغ السبعين، ثم فجأة أصبح حديث الصحافة والفكر. لم يكن يسعى إلى الأضواء، بل كان يسعى إلى الفكر ذاته. وهنا تكمن العبرة: اعمل بصمت، دع إنجازك يتحدث عنك، فالمجد الحقيقي يأتي حين تنضج التجربة، لا حين نسرع الخطوات وراء الأصداء.
الثقافة والمعرفة جناحان لا يفترقان، التخصص مهم، لكن الانغلاق عليه قاتل. أن تملك علماً عميقاً في مجال واحد فهذا يمنحك قوة، لكن أن ترفد ذلك برؤية واسعة للثقافة الإنسانية فهذا يمنحك حكمة. المعادلة المتوازنة هي: نصف اهتمامك لتخصصك، والنصف الآخر للمعرفة العامة. حينها تصبح فرداً منتجاً في مجالك، وفي الوقت ذاته إنساناً واسع الأفق، متصلاً بالحياة من جميع أبوابها.
المبادئ والآراء: ما يثبت وما يتغير، من الحكمة أن نكتب مبادئنا بقلم حبر لا يُمحى، فهي البوصلة التي تهدينا وسط عواصف الحياة. لكن من الذكاء أن نكتب آراءنا بقلم رصاص، لأنها قابلة للمراجعة والتعديل مع كل تجربة جديدة ومع كل معرفة مستجدّة. الثبات في المبادئ هو ما يصنع أصالتنا، والمرونة في الآراء هو ما يضمن استمرارنا.