العـــــدد 9408
الثلاثـــــــاء 20 آب 2019
لم تعد زيارات الأهل والأقارب والأصدقاء كما كانت، فنحن استبدلناها بالمنتديات و(الصّالونات) الاجتماعية على اختلافها، ظنّاً أنّها تمنحنا أواصر الألفة والتّفاهم الحضاريّ في أجواء من النّعومة واللّباقة، لقربها من رفاهية الجلوس أمام الشّاطئ بأدوات الاسترخاء والاستجمام ومحاكاة الأمواج.
وهكذا لم يبق لزيارة الأهل ما يبررها، بل يشوبها انكشاف المصالح، ومضيعة الوقت بالمشاحنات ما بين الإخوة والأخوات، أو العمة والخالة والحفيدة، وما إلى ذلك حتّى آخر الأرخبيل الأسريّ، وقد تركوا السيدة (فيروز) تشدو لوحدها وتتوسل (زوروني كلّ سنة مرّة .. حرام تنسوني بالمرّة).
ما أكثر الذين يتسلّقون الهوامش، وينتهي بهم المطاف أن يلعن الواحد منهم سوء الطالع وقلّة الحظ، فلا يفعل شيئاً سوى أن يلصق عينيه بالسيّارات الفارهة، عسى لأحلامه أن تأتي بمثلها!
أمّا البعض الآخر، فقد أقنع نفسه، أنه لا يقلّ عن المشاهير والموهوبين في شيء، ولكن الظّروف السّوداء وراء إذابة قصره الوهمي الذي يراه أقرب من الحقيقة، كحسناء خلقت ليختارها من بين الحسناوات، وهي نسخة معدّلة من ملكات جمال العالم!
آخرون حزموا أمرهم على أنّ ما يحيط بهم يجب أن يكون لخدمتهم، وهم بانتظار تلك الخدمات؟!
ما زلنا نرى ذلك الطالب الذّي يلقي باللّوم على من حاصروه بالامتحان، ولم يتركوا له الاستعانة بأيّة وسيلة من وسائل الغش، فيشكو من قلّة الرّحمة والمراقبة الحديّدية، اللّتين لم تسمحا بأن يكون كأقرانه الذين وصلوا بالغش إلى الكمال في نيل الدّرجات؟!
يشجّعه في هذا: الأهل ثمّ الأهل، بأن يكون الامتحان على مقاسه وقوامه ومقامه، وهو قطيعة غير مباشرة بين الأهل والأبناء، وحصادها خارج المواسم.
أحد الحالمين بالسّفر إلى بلد بعيد جدّاً، مازال يعيش حلمه منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وهو الذّي لم يبتعد عن مدينته لثلاثين (كيلو متر) في أحسن الأحوال، لكنّه ينتظر السّفر، ولا ينطلق على دروبه، وعلى الرّغم من عمره المتأخّر الذي يشتهي فيه الدّواء ولا يجده، إلاّ أنّه على قناعة بأن الحياة الجميلة تأتي بعد انتظار، وكأنّه على مدرجات ملعب، لاعبوه غابوا عن المباراة، هؤلاء اللاّعبون هم أهله وأقرباؤه الذّين لم يسمعوا بأنه يحتاج الدّواء.
بقي أن أسأل: أين هو ذلك الذّي ينسج خيوط المودّة على ثوب الواقع المهترئ؟
ما أحوجنا إلى الاقتراب من محيطنا بأصدقائه وأقاربه لتشكيل باقة يتوحّد فيها الاختلاف ويتجانس، كالأنفاس التي يحملها كلّ كائن حي ّ، مع كلّ نبضة حياة.
سمير عوض