الغابات رئة الأرض.. فما تأثير الحرائق.. وما التدابير الميدانية؟

الوحدة – رنا ياسين غانم- بتول حبيب

تعد الغابات من أهم مكوّنات النظام البيئي فهي مصدر رئيسي للأكسجين، ومخزن للتنوع الحيوي، وداعم أساسي لحياة البشر، لكنها اليوم تواجه تهديدات متزايدة بسبب التغيرات المناخية وانتشار حرائق الغابات، فقد شهدت محافظة اللاذقية سلسلة من الحرائق التي التهمت مساحات واسعة من جبالها وحولتها إلى رماد، مما يهدد ليس فقط بيئتنا، بل أمننا الغذائي والاقتصادي والصحي أيضاً، لمعرفة الآثار السلبية للحرائق والتدابير الوقائية التقت جريدة الوحدة عميد المعهد العالي للبحوث البيئية الدكتور كامل خليل وقال تعد الغابات من أكثر النظم البيئية إنتاجية على سطح الأرض، إذ يعتمد نحو 1.6 مليار إنسان في غذائه وموارده الأساسية بشكل مباشر أو غير مباشر في غذائهم ومواردهم الأساسية، فهي مصدر غني للتنوع الحيوي، وتسهم في الحفاظ عليه بشكل كبير، كما توفر مصادر متعددة للطاقة من خلال إنتاج الأخشاب، وتشكل أساساً لصناعة الورق، وتحتوي على مئات الأنواع من النباتات الطبية التي تستخدم في صناعة الأدوية.

بالإضافة إلى ذلك تعد الغابات رئة الأرض، فهي تنتج الأكسجين وتمتص غاز ثاني أكسيد الكربون، ما يجعلها أداة طبيعية لمواجهة الاحتباس الحراري، لكن ما يحدث اليوم بفعل التغيرات المناخية من جفاف وانحباس في الأمطار، خاصة في سوريا هذا العام ساهم بشكل مباشر في زيادة خطورة حرائق الغابات وانتشارها.

ورغم وجود منصات للتنبؤ بحرائق الغابات فإن هذا العام كان شاذاً مناخياً، حيث توافرت جميع شروط اندلاع الحرائق مثل ارتفاع درجات الحرارة، انخفاض الرطوبة، وانحباس الأمطار.
وأضاف الدكتور خليل أن ٢١ آذار يعتبر يوماً عالمياً للغابات، نظراً لأهميتها البيئية والاقتصادية والسياحية، حيث تلعب دوراً كبيراً في تلطيف المناخ وجذب السياح مما أدى إلى ظهور علم جديد يدعى السياحة البيئية، كما أن الغابات مصدر رئيسي للمادة العضوية وليست مجرد أشجار، بل هي موطن لملايين الكائنات الحية.

وأشار أن سوريا هذا العام خسرت ما يقارب 10,000 هكتار من الغابات أي ما يعادل 100 كم² أصبحت رماداً، ما أدى إلى انقراض أنواع من النباتات الطبية والحيوانات البرية، ونزوح نحو 26 تجمعاً سكانياً في مناطق مثل اللاذقية من مساكنهم هرباً من النيران. كما حذرت التقارير من هروب الحيوانات البرية من الغابات إلى القرى المجاورة نتيجة الحرائق، مما يشكل تهديداً بيئياً وصحياً جديداُ.

وأكد أن هذه الكوارث ليست محلية فحسب ففي عام 2020 شهدت أستراليا حرائق  تسببت في نفوق أكثر من مليار حيوان بري وهذا ما يظهر أن الظاهرة عالمية، وخطرها يمتد إلى الجميع، وحذر العلماء من أن درجات الحرارة قد ترتفع إلى 1.9 درجة مئوية بحلول عام 2030، وهو ما يتجاوز توصيلت اتفاقية باريس للمناخ التي تحذر من تجاوز 1.5 درجة مئوية، لأن إذا  تحقق هذا السيناريو، فقد نشهد ذوبان الأقطاب، واختفاء بعض المدن.

الغابات اليوم لم تعد فقط مساحات خضراء، بل أصبحت رمزاً للصراع بين الإنسان والطبيعة، فإما أن نحميها ونحافظ عليها أو نتحمل نتائج كارثية تمس الإنسان، والبيئة، والاقتصاد، والمناخ العالمي.

لذلك، دعونا نرفع صوتنا في يوم الغابات العالمي، الموافق 21 آذار من كل عام، لنؤكد على أهمية هذا المورد الحيوي، وضرورة العمل الجماعي لحمايته من التغيرات المناخية والحرائق المدمّرة.

التدابير والإجراءات

هناك عدة أنواع من التدابير أولها التدابير الاحترازية لمواجهة حرائق الغابات أي قبل وقوع الحريق وتقسم إلى أكثر من مرحلة التوعية بأهمية الغابات حيث يجب تعزيز الوعي البيئي حول أهمية الغابات، سواء على المستوى البيئي أو المناخي أو الاقتصادي، وإطلاق حملات توعية موجهة للمجتمع: “لا تقطع – لا تحرق”، أيضاً تعليم الأجيال أن الغابة ليست مجرد أشجار، بل إرث طبيعي يجب الحفاظ عليه، بالإضافة للقيام الخطوات الميدانية كنشر المخافر الحراجية خاصة في المناطق المرتفعة لتكون نقاط إنذار مبكر، وزيادة عدد أبراج المراقبة وتزويدها بوسائل اتصال فعالة تعمل على مدار الساعة، كذلك فتح خطوط النار والطرقات داخل الغابات لتسهيل الوصول في حال نشوب حريق، وإنشاء خزانات مياه دائمة أو مؤقتة في الغابات، يمكن تعبئتها شتاءً لاستخدامها في الصيف وقد تكون طبيعية (مثل البرك) أو صناعية (مثل الخزانات الإسمنتية).

الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة

بين الدكتور خليل أنه يمكن ربط منظومة الحراج بالأقمار الصناعية عبر منصات استشعار عن بعد، قادرة على التنبؤ بالحريق بناءً على العوامل الجوية  مثل درجة الحرارة، سرعة واتجاه الرياح، الرطوبة الجوية هذه التقنيات تتيح استنفار فرق الحراج مبكراً عند ارتفاع مستوى الخطر، بالإضافة إلى ضرورة امتلاك الدولة طائرات إطفاء خاصة بها، لا أن تعتمد فقط على مساعدات الدول الشقيقة (مثل تركيا أو الأردن) حيث شاركت مشكورة بإطفاء الحرائق، أيضاً دعم فرق الإطفاء بالتجهيزات والمركبات المناسبة، وتسهيل وصولهم إلى نقاط الخطر.

وأشار إلى أهمية تنفيذ دورات تدريبية مستمرة للكوادر الحراجية والدفاع المدني، وإرسال فرق للمشاركة في دورات تدريبية بالخارج (نقل التكنولوجيا – Transfer of Technology)، وتدريبهم على استخدام المعدات الحديثة وتكتيكات الإطفاء الحديثة.

انتقل بعدها للحديث عن التدابير أثناء نشوب الحريق حيث يتم إعلان  الاستنفار العام أو إعلان حالة طوارئ تشاركية تشمل الدفاع المدني، الجيش، الشرطة، الكوادر الحراجية والمتطوعين من الأهالي فمكافحة الحرائق مسؤولية جماعية وهي جهاد حقيقي لحماية الوطن.

ثم يأتي دور إدارة العمليات ميدانياً من خلال تفعيل غرف عمليات مركزية وربطها مع الميدان، التنسيق بين الجهات المختلفة لتوزيع المهام وضمان السرعة والفعالية.

التوعية المستمرة والمراقبة بعد الحريق:

أشار إلى ضرورة رفع مستوى الوعي المجتمعي وذلك عن طريق شرح أخطار الحرائق وأثرها على البيئة وصحة الإنسان، والتأكيد على أن الغابات تمتص ثاني أكسيد الكربون، وتقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري، بينما حرقها يطلق الغازات السامة، وكذلك أهمية المراقبة المستمرة باستمرار عمل أبراج المراقبة على مدار الساعة، كما يمكن تطوير تطبيقات مخصصة على الهواتف لتنبيه السكان بمستوى الخطر في منطقتهم.

أثر الحرائق على البيئة وصحة الإنسان

أكد أن حرائق الغابات تطلق كميات ضخمة من غازات ثاني أكسيد الكربون، مما يزيد من الاحتباس الحراري، تنتج عنها جزيئات دقيقة تلوث الهواء وتسبب أمراض صدرية مزمنة، مشاكل تنفسية حادة، خاصة لكبار السن والأطفال، كما أنها تؤدي إلى فقدان التاريخ البيئي، لأن الأشجار – عبر حلقات نموها – تحفظ معلومات مناخية تمتد لعشرات ومئات السنين (علم Dendroclimatology).

أخيراً لابد من البدء الفوري في زراعة الأشجار المتضررة والاستعانة بخبراء في علم الغابات لإعادة تأهيل الأنظمة البيئية المتضررة.

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار