قاعدة “هارا هاتشي بو”: سرّ الحياة المديدة لأهل أوكيناوا اليابانية

 

تحول أرخبيل أوكيناوا جنوب اليابان إلى مصدر إلهام للدراسات الغربيّة، بعد أن أثبتت هذه الجزيرة إحدى “المناطق الزرقاء” الخمس في العالم، تمتع سكانها بأعلى نسبة للمعمرين، حيث يصل الكثيرون بسهولة إلى عمر ما بعد المئة عام مع تمتّعهم بصحة جيدة.

يؤكد العلماء أنّ سرَّ طول العمر الاستثنائي لأهل أوكيناوا يكمن في نمط حياتهم الفريد، لا في جيناتهم. وتُعد فلسفة “Hara hachi bu” هارا هاتشي بو، الغذائيّة المتوارثة عبر الأجيال حجر الزاوية في هذا النظام، وهي قاعدة كونفوشيوسيّة تعني التوقف عن الأكل عند الشعور بامتلاء المعدة بنسبة 80%. وقد دحضت أبحاث مطولة، كتلك التي قادها العالم الياباني ماكوتو سوزوكي على مدى 30 عاماً، الفرضيات السابقة حول العامل الجيني، مؤكدةً أنّ السرّ الحقيقي هو هذا النظام المتكامل الذي يجمع بين الغذاء المتوازن، والنشاط البدني، والطمأنينة النفسيّة.

تتجذر هذه العادة في نسيج الثقافة المحلية، حيث يردد السكان شعار “هارا هاتشي بو” الذي يعود إلى 2500 عام قبل كل وجبة، تذكيراً بتناول الطعام ببطء ومضغ الطعام بشكل جيّد ووعي. يستغرق العقل أكثر من عشرين دقيقة لتسجيل الشبع بنسبة 80%، مما يسهم في ضبط حصص الطعام ومنع الإفراط. ولا تقتصر الممارسة على كونها عادة غذائيّة، بل هي “فن لضبط الشهية” يتطلب تدريباً يبدأ منذ الطفولة، ويشكل جزءاً أصيلاً من التقاليد التربوية في الجزيرة.

وتكمن قوة “هارا هاتشي بو” في فوائدها الصحيّة العميقة: فهي تدعم الهضم، وتقي الجهاز الهضمي من إرهاق الامتلاء الكامل، وتحافظ على توازن التمثيل الغذائي، وتقلل الالتهابات. كما تسهم الدراسات في الكشف عن دورها الحيوي في خفض خطر الأمراض المزمنة، والحد من زيادة الوزن، وتفادي الشعور بالثقل بعد الأكل، ما يعزز استقرار المزاج ويحقق صحة مستدامة دون حميات قاسية.

يرتكز هذا النمط الحياتي على نظام غذائي متوازن غني بالخضراوات والفواكه والحبوب والبقوليات والأسماك والأعشاب البحرية العضويّة، مع تجنب اللحوم الحمراء والأطعمة المُصنَّعة والسكريات. كما يحافظ السكان على نشاط بدني دائم عبر ممارسة الرياضة بانتظام كالمشي، والاعتماد على الزراعة والصيد باستخدام الأدوات التقليدية في شؤون حياتهم اليوميّة.

ويُشكل البُعد الاجتماعي والروحي ركيزةً أساسية أخرى، حيث يندمج كبار السن رغم استقلاليتهم، في النسيج المجتمعي عبر الأندية والأنشطة الجماعية، ضمن ثقافة تُجِلُّ الكبار وتُعزّز الروابط الأسرية. تقوم حكمتهم على إيمانهم بأن الإنسان كائنٌ اجتماعي تقوم دعامته على الحب والدعم المتبادل.. يبدأ الصباح بالتأمل والاندماج مع الطبيعة، بينما يُعزّز العمل الجماعي الروحانية واليقظة الفكرية. كما يفضل السكان الطب التقليدي على الأدوية الحديثة، في إيقاع حياة هادئ يعكس متعة الوجود البسيط.

تذكرنا فلسفة “هارا هاتشي بو” وأسلوب عيش أوكيناوا بأن التعديلات الواعية البسيطة في عاداتنا، خاصة الغذائيّة والاجتماعيّة، قادرة على تعزيز جودة الحياة وإطالتها ووقايتنا من الأمراض.

سها أحمد علي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار