العدد: 9403
الثلاثاء:6-8-2019
(رسائل في الذاكرة) من القطع المتوسط توزعت على 183 صفحة، نقرأ في مضمون وأحداث الّرواية عن بطلتها (رندة) التي تساعد أهلها في أعمال البيت والأرض و(هلا) أختها الكبرى و(علا) أختها أكبر منها مباشرة، (إياد) أخوها الأكبر يدرس في الجامعة، (عماد) طفل صغير، (ليندا) طالبة في المرحلة الثانوية..
أرسلت رندة رسائل الوجد والعتاب والحنين إلى يامن حبيبها اﻷول الذي تركها بدون سبب، وبعده أحبت (طارق وحسين وأنس) وغيرهم، وشكل غياب أخيها إياد الذي التحق بأحد التنظيمات السّياسيّة السرّية ثم اعتقل وخرج من السجن وتابع دراسته حتى تخرج في كلية الطب البشري بالعاصمة شكل فراغاً عندها وعزز وحدتها وبقاءها وحدها مكشوفة من غطاء غيابين: اﻷب واﻷخ، مما منحها حرية أكبر في التصرف بوقتها كما تشاء..
فالأب مسافر خارج البلد للعمل ويأتي زائراً أسرته بعد فترات غياب طويلة،
تعكسُ الرّواية البيئة الاجتماعية والفكرية والثّقافية في المجتمع الّسوري بكل مكوناتهِ وقيمه وأخلاقه، بأسلوب شعريّ مؤثر وصور جميلة..
جاءَ الحوار رشيقاً قصيراً وتنوع أسلوب الّسرد وتنوعت أشكاله بين الحديث المباشر والبوح والإيحاء، وقد واكب الكاتب تطور الشّخصيّة الرئيسية وهي البطلة رندة من خلال الغوص في أعماقها ونفسيتها ورصد ردود أفعالها وتأثرها بالواقع المحيط بها..
البطلة رندة صبية جميلة تخرج إلى الحياة بكامل نضارتها وإشراقها مندفعة بتلبية رغباتها الجامحة النفسية منها والعاطفية والجسدية لتأكيد ذاتها بين زميلاتها وإشباع الرغبة في المنافسة والانتصار للفوز بقلوب الشباب ولتحقيق حضورها في المجتمع بمؤسساته المختلفة، ومن جهة ثالثة التعويض عن حنان اﻷب المسافر خارج البلاد حيث كانت بأمس الحاجة إليه..
ووسط هذا ااندفاع هناك قوى الجذب اﻵتية من الشباب والرجال والذكور عموماً وهم يتلهفون لتلقف الفتيات والتعامل معهن وإقامة علاقات مختلفة تنسيهم هموم الواقع ومعاناتهم معه، فكانت البطلة ضحية مركبة لمثل هذه العلاقات المشوهة والعواطف الكاذبة واﻷفكار المتناقضة..
رغم أنها كانت تعرف ذلك وتحسب خطوات العودة دوماً.. لكن دفعت الثمن غالياً في مجتمع يقيّد المرأة بكل خطوة تخطوها وبكل فكرة تبوح بها ويعيبها بأي سلوك تقوم به ولوكان شخصياً لذاتها فزرع الخوف والقلق في داخلها مما أفقدها توازنها وشوه تفكيرها وحياتها..
تجري أحداث الرواية في بداية التسعينات من القرن الماضي في إحدى قرى الريف السوري ومدنه والعاصمة دمشق..
نجح الكاتب في التحكم بمسار الفعل الدرامي من بدايته حتى نهايته قابضاً على كل حدث فيه مهما صغر، وموظفاً إياه بشكل متقن مما أعطى الرواية نسيجاً أدبياً محكماً ذا شكل فسيفسائي جميل وهذا ما وفّر عنصر الجذب والتشويق إضافة إلى تشابك اﻷحداث وتفاعلها مع بعضها بحثاً عن حل يرضي جميع اﻷطراف..
كتبت الرواية بأسلوب سهل بعيداً عن التعقيد والتقعر اللغوي فالمفردات واضحة ومتداولة ومستوى الحوار يناسب مستوى الشخصيات حاملة اﻷفكار والتجارب..
نثر الكاتب بين جملها بعض اﻷفكار الفلسفية والمقوﻻت اﻷدبية ذات ااتجاه النفسي والاجتماعي مما أكسبها قوة ومتانة وغنى معرفياً أكبر، وقد وظّف العناوين الداخلية بدقة عالية ونوّع في حجومها فأحياناً اقتصر العنوان على كلمة واحدة مثل: (ربيع، تحول، رسالة، دخول…) وأحياناً طالت العناوين إلى أكثر من سطر، وجاء بعضها كمقولات أدبية جاهزة.. حتى العنوان الرئيسي (رسائل في الذاكرة)، هناك كاتب لهذه الرسائل وهناك مرسل ومرسل إليه وهناك أفكار وأخبار تشكل مضمونها وعلى القارئ أن يكتشفها ويطلع عليها ويرد الجواب للمرسل كلاً على طريقته وبأسلوبه..
نوصي بقراءة الرواية واﻻهتمام بها ولعلها تجد طريقها للإخراج والعرض على شاشة (الرائي) التلفزيون، فهي من الروايات المميزة في مدينة اللاذقية كون الكاتب منها.
أسامة معلا