العــــــــــــــدد 6398
الثلاثـــــــاء 30 تموز 2019
منحتنا مواقع التواصل الاجتماعي عامّة، والفيس بوك خاصة مساحات رحبة من الحرية الشخصية، تجول فيها أفكارنا ونوازعنا بلا قيد، وتنقلت هذه الحرية عند البعض لتتحول إلى أفعال غير محسوبة كونه في النهاية منبراً عاماً يلحظ فيها الجمهور الفيسبوكي ما تخطه أناملنا من أفكار تعكس في أحايين كثيرة ما يجول في بواطن فكرنا من خير أو شرّ، حتى لوحظ عند البعض نزوعهم إلى تقمّص شخصيات حلموا على هذه المنابر أن يجسدوها مع أنهم لا يملكون أدنى المقومات الفكرية والعقلية وحتى المعرفية لاعتلاء هكذا أماكن.
إلى ذلك يحضرنا على سبيل المثال (شعراء الفيسبوك) هؤلاء الذين تغصّ بهم صفحاته، حيث نفاجَأ كل صباح بشاعر هنا وشاعرة هناك، يصفعون وجه الشعر بما لا تحمد عقباه من ضجيج يزعج العين قبل العقل، يطلقون عليه بكل غرابة لقب شعر، والأنكى من ذلك أن جمهور ما يسمّى بأصدقاء الفيسبوك ينهالون على هذا الشاعر أو تلك الشاعرة بالمديح أو ربما النفاق السمج، حيث يعبّرون عن عمق هذا الشعر الفكري وتقنياته العالية لغوياً، حتى تصل بالبعض إلى تكريمهم ومنحهم الألقاب وربما شهادات الدكتوراه الفخرية والتي بطبيعة الحال لا تساوي قيمتها شيئاً لأنها بالنهاية يمكن أن تكون لقباً مسيئاً أكثر منها تكريماً، لأنها لم تكلف صاحبها أكثر من بضع نقرات على لوحة المفاتيح، خالية من كل المصداقية المعرفية والإجرائية، وفي هذا المقام ونحن نكتب عن هؤلاء الموهومين الذي يطلق عليهم البعض صفة (الفصام الشعريّ)، جميل أن نستحضر فكاهة الفنان دريد لحام في أحد مسلسلاته الكوميدية عندما قال أمام لجنة الحكم في إحدى المسابقات الفنية أنّه تعلّم الغناء في الحمّام.
للشعر مقوماته الثقافية واللغوية ناهيك عن الموهبة ولا تكفي الرغبة وحدها أو الحلم لنمتلك لقب شاعراً أو شاعرةً.
ونوسع راحة بال الآخرين ضرباً بترهاتٍ ما أنزل العقل بها من منطق، إنها دعوة مجانية لمن تسوّل له نفسه هكذا أفعال على مواقع التواصل الاجتماعي أن تأخذه بهذا الجمهور الافتراضي الرأفة والرحمة.
لم يكن ولن يكون هذا المنبر الالكتروني يوماً (حماماً) نغني فيه على ليالينا ونقضُّ راحة الآخرين.
رأفة بنا أيها الشعراء الافتراضيون.. رأفة بنا وبكافة عباد الله.
كان للكاتب والمخرج وليم عبد الله رأيه: لا أعرف إذا كان بإمكاني أن أبدأ كلامي بمصطلح ازدواجية المؤامرة، فالفيسبوك الذي أتى إلينا الذي أكاد أشبهه بالوحش الأزرق ليبتلع كل نتاجنا الفكري كان هناك من ينتظره بفارغ الصبر ليعوض كل ما خسره في حياته الواقعية ويحققه في حياته الافتراضية ويمكن أن نقول: إن الميلاد الحقيقي للفيسبوك كان في بداية الحرب السورية، أما بالنسبة للسنين التي سبقت الحرب فقد كان استخدام الفيسبوك مقتصراً على شريحة معينة من الناس بهدف التواصل الاجتماعي الحقيقي، وإرسال الصور أو ملف تخدم أعمالهم مع إتاحة الفيسبوك للجميع والحصار الذي حصل على البلاد كان الفيسبوك الملاذ الوحيد للناس وبمعنى آخر كان المكان الوحيد للبوح وفشّة الخلق، لكن ما الذي حدث؟
ما حدث أن مكان البوح أصبح مكاناً للنشاطات التخريبية وبطريقة ما، تم استدراج جميع العاطلين عن العمل والثقافة والعلم إلى هذا العالم الافتراضي وإعطاؤهم كل القوة التي كانوا يحلمون بها عندما كانوا صغاراً فانطلقت شبكات الأخبار كالنار في الهشيم وأصبح لكلّ من لديه الوقت، وليس الكفاءة إعلامياً، ومن ناحية أخرى انبلجت موجة أدباء جدد ومحللين سياسيين واقتصاديين واجتماعيين للأحداث السورية والعالمية وأصبح للجميع لسان يتكلّم وأذن صماء، وعين ترى ودماغ متعطل عن ترجمة ما ترى بالشكل الصحيح وغرقنا جميعاً في هذه الدوامة الزرقاء..
أين هي الازدواجية في هذه الحكاية؟
الازدواجية كانت أن هؤلاء يعتقدون أنهم حقيقة يزعجون العدو الأمريكي وغيره بمنشوراتهم الفيسبوكية وفي الوقت نفسه اعتقد الأدباء الافتراضيون أن (اللايكات) التي يحصلون عليها هي شبيهة بشهادات المهرجانات، وبالتالي هم حقاً أدباء دون الانتباه إلى أن أغلب مفرداتهم مليئة بالأخطاء الإملائية والسبب بسيط، أن كلّ ما تكتبه على الفيسبوك، هو صحيح لأنه لا يقوم بالتدقيق خلفك وفي هذه الأثناء كان هناك من يصيد بالماء العكر للترويح له، كصفحات أدبية أو إعلامية، فهؤلاء وصلوا إلى مرحلة أن يمنحوا شهادات دكتوراه افتراضية لمن يرسل لهم قصيدة أو أقصوصة وكثر حرف (د) قبل الأسماء الفيسبوكية وأستغرب بهؤلاء القوم، كيف يكذبون الكذبة ويصدقونها!
السؤال الذي يجب طرحه، لماذا نجح الفيسبوك بهذا الاختراق الاجتماعي المرعب؟ الإجابة بسيطة، هي عدم تحصين هؤلاء ثقافياً وعلمياً وبالتالي كانوا عرضة لأيّ جهة تفكر باستدراجهم بأبسط الوسائل التي هي الإغراء بالأسماء والبطولات الوهمية.
نور محمد حاتم