محمد بعجانو: الفن التشكيلي إن لم ينقلك إلى موقع أسمى فهو مبتذل

العدد: 9285

5-2-2019

 

كان النحت ولايزال من أصعب أنواع الفنون، غير أنه إلى جانب صعوبته ووعورة الطريق إليه يبقى اللغة الأقوى حضوراً والأكثر مهابة في الأزمنة التي مضت والتي ستأتي..
كانت تلك كلمات الفنان محمد بعجانو قبل ما يقارب عشرين عاماً حين حاورته في الملتقى الدولي الأول للنحت في مهرجان المحبة.

اليوم وبعد تلك السنوات ألتقي به في مرسمه الذي يضج بأحاديث الأساطير والآلهة والحضارات القديمة لأجده أكثر إصراراً على موقفه ومحبته للنحت لاسيما وقد غدا اسمه من أبرز الأسماء السورية في العصر الحديث التي تركت بصمة واضحة في هذا المجال، يقول بعجانو:
أحد أسباب عملي بعد دراستي في المتحف الوطني هو الفصل بين السيئ والجيد، بين من يسيء إلى الحضارة السورية ومن معها، وعندما كنت أرى شخصاً أوفدته الدولة للدراسة على حسابها وعاد وبدأ سلسلة أعماله في البحث عن حضارة الغرب بشكل مقيت، أشعر بالخيبة لأن هذا الشخص لم يقدم شيئاً لحضارة بلاده، وهذا هو الحد السلبي السيئ للفن والفنان، أما الإيجابي فيخلق من الأفكار والفلسفة والطبيعة السورية مفردات تفيد حضارته ومجتمعه، الفن التشكيلي إن لم ينقلك إلى موقع أسمى فهو مبتذل.
* يقال إن عنوان العمل جزء مهم من الفكرة والمدخل الأول للعمل الفني، هل يأتي العنوان أولاً عند بعجانو أم يكون تتويجاً للعمل؟
** هناك صراع بين الفنان والعمل، أنا أرى العمل الخام وأرسم رسماً مبدئياً بقلم الرصاص، وقد أقيمت عشرات الدراسات قبل أن تنضج الفكرة كمن ينتظر ولادة طفله وقد اختار اسمه مسبقاً لكن عندما يخلق الولد ونرى وجهه نغير اسمه بما يلائم ذلك الوجه، قد أضع عنواناً أحياناً لكني قد أغيره بحسب الإخراج..
* لكل لوحة زمنها الخاص هل تختار زمن لوحاتك أم أن ذلك يأتي بشكل تلقائي؟
** أحياناً أبقى لفترات طويلة دون عمل، إنها حالة أعيشها ولا تفرض عليّ، لأني حين أنخرط في العمل لا يمكن إخراجي منه لأنني أعيشه بكل حواسي هنا الحالة مزاجية، أما في الملتقيات أكون ملزماً بمدة زمنية معينة، لكن الذي يساعدك على ذلك وجود فريق عمل كامل متواجد قربك، كذلك وجود ناس يهيئون لك كل مقومات الحياة لتتفرغ للإبداع، لذلك أؤكد على فكرة بناء قرية فنية يؤمّن فيها كل مستلزمات الفنانين وبذلك تحرض وتحفز على الإبداع لأن الفن مرآة الشعوب والنحت هو تاريخ الشعوب، فلا يمكن أن تكوني في باريس ولا تزوري برج إيفل الذي هو كتلة نحتية، هذه الكتل النحتية هي تاريخ الشعوب ورمز حضارتها.
* كيف تجد العلاقة بين المتلقي (العادي، الناقد) والعمل الفني؟
** بلا شك المشاهد الناقد أكثر قدرة على قراءة مفردات العمل ونقده ولكن المتلقي العادي يميل للجمال بالفطرة ويحب العمل حتى لو لم يفسر مدلولاته وغموضه، لذا علينا أن نطور مهاراته وثقافته.
* وكيف نصل بالمتلقي لثقافة فرز الفن الجيد والفن الرديء؟
** نحن تقليديون في الحياة بشكل عام، تقليديون في الانتخابات والتقييم، على واحدنا ألا يعطي صوته إلا لمن يمثله حتى لو كان أحد المتنافسين قريبه، وكذلك يجب ألا أقول عن عمل إنه جميل إن لم يكن كذلك، نحن مقيدون باختياراتنا، والارتقاء بالمستوى النقدي للمتلقي مسؤولية المؤسسات الثقافية والإعلامية من خلال نشر الوعي الثقافي في أعمار مبكرة تعزز محبة الجمال وتذوقه.
* والمرأة، أين هي في عالمك الفني والاجتماعي؟
** المرأة موجودة دائماً في كل مجال، ليست نصف المجتمع، إنها الحياة كلها، المجتمع كله، إنها خلاقة، هي سبب كل تطور لذلك هي حاضرة في أعمالي وأفكاري لأنها أساس الوجود.

أنا أتعامل مع الإنسان في الحياة كإنسان بغضّ النظر عن جنسه، وفي الفن هو عنصر جمالي يحتاج إلى دراسة وبحث.
* كيف تعرّف الفن التشكيلي؟
** الفن التشكيلي بالنسبة إلي هو رسم ونحت فقط، وبقية الفنون فنون تطبيقية والرسم بالزيتي، والنحت إما حجر وإما خشب، وأنا مع الإبداع والتطوير في الفنون لكني لا يمكن أن أصنف كل عمل فني أراه تحت عنوان فن تشكيلي إن لم ينتمِ إلى ما ذكرت.
* شهدت الساحة الفنية السورية حركة نشيطة وواسعة ووجدنا اسمك في أبرز المعارض والملتقيات الجماعية، كيف تنظر إلى هذه الملتقيات؟
** أرى الملتقى في خدمة البلد وفي خدمة الفنانين المشاركين، ففيه تقدم نماذج فنية هامة لفنانين من مختلف الاتجاهات والمدارس ما يخلق نوعاً من التواصل والاحتكاك فيما بينهم ثم مع الجمهور.
* الوراثة في الإبداع والفن، برأيك هل هذه حقيقة؟
** لست متأكداً من ذلك على الرغم من تكرار أسماء مبدعة في العائلة ذاتها أحياناً ولكن أرى أن الإنسان الطبيعي متأثر بنمطه المعيشي وبيئته المحيطة، لذلك وجوده ضمن بيئة مهتمة بالأمور الفنية لابد أن يؤثر فيه ويحفزه على الإبداع، ووجود شخص موهوب في بيئة غير مناسبة قد يقتل إبداعه ويدفن موهبته، في عائلتي كان لوجود شقيقي الراحل هيشون الدور الأكبر في رعاية موهبتي ورفدي بكل ما أحتاجه في سنّ مبكرة، ولولاه كنت تأخرت كثيراً، البيئة الحاضنة هي الأساس..

نور نديم عمران

تصفح المزيد..
آخر الأخبار