العدد: 9285
5-2-2019
قال لي جدّي ذات يوم: يا بني لا تسرع، ربما تعثَّرت فوقعت في سيرك أو تفكيرك. . ومنذ كنت صغيراً أذكر ذلك، وكلاماً وأقوالاً أخرى. . لكنّني اليوم أشعر أنّني بحاجة إلى مثل تلك الأقوال وغيرها في تمثّل معانيها، لأنّها لا تفقد قيمتها بفعل التقادم، وإنْ كان قد رحل قائلها، لكنّها تفقد دفئها وحرارة الصوت.. ها هو الشتاء يمرّ أشبه بتلك الشتاءات التي كنا نتحلق في أيامها حول مواقد الحطب أو «الوجاق» في البيت الريفي الطيني عند جدّي، ونستمع منه أو من جدّتي إلى حكاياهما و«تغريداتهما» المباشرة، قبل وصول وانتشار التيار الكهربائي. . قصص وحكايا تتخطى الحقول وكروم الزيتون الممتدة عبر سهول القرية ..
كنتَ في الصباح الباكر تشّق طريقك وسط «سمفونية» الرياح والأمطار وشغب أغصان الأشجار المتمايلة يمنة ويسرة كأرجوحة تهزّها الريح. . وبعد أنّ يصبح معطفك كوشاح يمسح دموع المطر المتساقط عبر الأغصان، تبارك يداك بملامستها مع أوراق الشجر وما تقطفه وتجنيه وتعود منضّراً ومحمّلاً بغلال وسلال مليئة ومثقلة بالخير.. تعطي الحياة لونها، ألقها وبهجتها. . كنت تطرد النعاس من الوجوه، وكان الشتاء لا يترك خلفه حزناً ولا أيّ جراح ..
نحن اليوم نقلِّب الراحات بحثاً عن الدفء، عن المازوت و«جرار الغاز». . ونقف «طوابير» تملأ الشوارع، ويبقى البيت جثة هامدة . . لكنّنا مشتتون موزَّعون..
يحبّو إلينا القلق واليأس والتعب، ونمضي في رحلة حزن وهمٍّ يومي، ونغرق في حلم عميق علَّه يزاحم الحقيقة ويتمخض عن ولادة وتحقيق أمل من زمن الخير ، زمن المطر.
بسام نوفل هيفا