كــيف تواجــه المـــرأة المبدعـــة المصــاعب التي تعترضهـــا؟

العدد: 9396 

 الأحد-28-7-2019

 

 

لعل الإرادة الصلبة هي أبرز مقومات النجاح الذي سيكبر بوجود دعم وقدوة في حياة المرأة المبدعة، غير أن غياب هذا الدعم وعدم وجود القدوة لن يعيقا عزيمتها لتجاوز ما تواجهه في مسيرة حياتها من عوائق يضعها المجتمع والأقدار في طريقها.
حول الصعوبات التي تواجه المرأة المبدعة التقينا باقة من ورود لسيدات تميزن في مجالات مختلفة ليحدثننا عن ذلك:
فالأديبة ليلى مقدسي عانت من وضع صحي جعلها أقوى وأكثر إبداعاً حيث تقول: هناك صعوبات كثيرة تعانيها المرأة في حياتها ولكن بعزيمتها الصلبة تحول عجزها إلى إبداع، بالنسبة لي كنت مدمنة على المطالعة من صغري وإثر عملية جراحية بسيطة وخطأ طبي فقدت النظر في عيني في امتحانات الشهادة الإعدادية، تابعت الامتحان، ولم أستسلم ثم بدأت أعمل عند الراهبات معلمة قبل السن القانوني وحين بلغت الثامنة عشرة تقدمت للتثبيت في ملاك التربية منعني طبيب الصحة المدرسية من التدريس، فكانت أقسى صدمة وسافرت الى لبنان لزيارة طبيب رائع أعطاني الأمل بالشفاء بإجراء عملية في أوروبا غير أن التكاليف الباهظة حرمتني من هذا الحلم، طلبت من الطبيب مساعدتي لأرجع للتدريس فاتصل شخصياً بطبيب الصحة وبمعونته وتشجيعه ورسائله لي عدت للتدريس وكنت أخفي عيني خجلاً بنظارة سوداء أكرهها وتحملت بصمت قهري وإحساسي بالنقص، وصدمت أكثر حين خسرت فرصة الارتباط بالإنسان الذي أحببته وتخلى عني بعد ثماني سنوات في أجمل قصة حب بسبب عيني، وأيضاً لم أستسلم فكانت الكتابة ملاذي والمطالعة قوتي وحولت معاناتي إلى إبداع وكتبت معاناتي قصائد شعرية وقصصاً ورسائل وجدانية تدعو للمحبة وللإنسانية بعد أن وجدت كثيراً من المبدعين تجاوزوا إعاقتهم وكانوا معجزة بإبداعهم كطه حسين، بيتهوفن، بشار بن برد، وعدد كبير وعلى الرغم من تحذير الأطباء لي من الضغط على عيني السليمة فأنا أكتب ورحلة عمري مع الألم طويلة ومازالت حتى الآن، ولن أتوقف عن الكتابة لأني حين أفعل تتوقف الحياة وأنتهي.

 

 

وتجد الفنانة التشكيلية هيام سلمان أن أهم المعوقات في مجتمعاتنا هي التركيبة الاجتماعية القائمة على التمييز بين الرجل والمرأة بالحقوق والواجبات، فكما تقول: على الرغم من التطور الحاصل في دخول المرأة مجالات العمل بميادينه المختلفة إلا أن واجباتها المنزلية بقيت كما هي، فبين عملها بالخارج ومهماتها المنزلية من أين ستجد المرأة وقتاً لنفسها لممارسة المجالات الإبداعية التي تحب ما لم يكن شريكها متفهماً ومتعاوناً معها في جميع التفاصيل اليومية، وحين تتميز امرأة وتبدع في مجال ما قد تواجهها مشاكل كبيرة فقط لأنها امرأة لأنه في عالم يتضامن فيه الرجال أين ستجد المرأة مكاناً لها إن لم يكن ضمن قوانينهم وشروطهم هم؟، كيف مجتمع لازال ينظر للمرأة على أنها أقل من الرجل أن يقبل تفوقها عليه؟ أعتقد أن المرأة المبدعة والناجحة تخيفهم وتهز عروش ذكورتهم إلا قلة قليلة ترى في المرأة إنساناً بقدرات وامكانيات تستحق أن تُدعم وتأخذ مكانتها اللائقة..
ومن أهم المشاكل والمعوقات التي قد تعترض نجاح المرأة وإبداعها موضوع الحمل والولادة وتربية الأطفال وخاصة في مجتمعات تتولى فيها المرأة المسؤولية الأكبر بهذا الموضوع مما يستنزف قدرات المرأة لسنوات طويلة ولهذا نرى غالبية المبدعات اللواتي حققن نجاحاً كبيراً تكرس عبر السنوات كنّ إما عازبات لم يتزوجن أبداً أو مطلقات لم يستطع أزواجهن احتواء تميزهن وفرادتهن، وكم من السيدات اللواتي يتحدّثن بحسرة عن ضياع العمر دون أن يحققن شيئاً من أحلامهن بسبب تضحياتهن في سبيل الأسرة والأولاد بينما أعتقد أن كل يوم جديد قد يكون يوماً لبداية تحقيق حلم دفين..

 

 

لكن المرأة المبدعة لابد أن تكون قادرة على اكتشاف مكامن القوة في ذاتها لمواجهة كل المعوقات التي تقف بطريقها وأن تحقق لذاتها استقلالاً اقتصادياً يجعلها قادرة على اختيار طريقها بقوة وألا تسمح لأحد بأن ينتزع منها شغفها بل على العكس أن تعمل على تطوير أدواتها بما يمكنها من تحقيق ذاتها وبنفس الوقت رفد الحياة التي هي جزء مهم منها بالجمال المتميز والمختلف.
بالعلم، بالإرادة، بمعرفة الذات وقوة الشخصية، بمعرفة الهدف والسعي لتحقيقه تستطيع المرأة أن تصعد سلالم النجاح في جميع المجالات رغم كل ما في التركيبة الاجتماعية من إشكالات كبيرة تحتاج إلى تغييرات جذرية بدءاً من التمييز بين الجنسين وانتهاء بالتشريعات والقوانين المختلفة التي تعتمد الشريعة الإسلامية أساساً لها وتبعات ذلك كله على الحياة الإبداعية للمرأة في مجتمعات أقل ما يقال عنها أنها لا تدعم الإبداع ولا المبدعين فكيف إن كانت المبدعة امرأة!
أما القاصة رنا محمد فبالنسبة إليها أکبر عائق بوجه الحياة وليس بوجه الإبداع هو العائق المادي، الغلاء الفاحش وعدم کفاية الدخل القليل مع المصروف الهائل، وفرص العمل شبه المعدومة، وإن وجدت فالدوام طويل والدخل قليل لا يغطي نفقات غياب الأم عن البيت…
تقول رنا: کنت موظفة في دار نشر ثم قدمت استقالتي بعد زواجي وحملي، واستقلت بعدها عدة سنوات من الحياة في ظل ظروف الحرب لأعود ناشطة بمرصد نساء سورية لمناهضة العنف ضد المرأة والطفل، مراسلة لعدد من الصحف وکاتبة مقال أدبي، وقارئة من الدرجة الأولى وبحکم عملي بالکتب قرأت أکثر وأکثر وتحول أطفالي الذين کانوا عائقاً في وجه عملي لهدف ومحرض ودافع للعمل بمجال الطفولة، وصاروا هم مصدر الإبداع والأفکار، فاتجهت للکتابة للطفل وطورت نفسي وخضعت لعدة دورات بمجال الطفولة وتطوير الإبداع عند الطفل وصرت أحضر محاضرات طمعاً بأمومة أفضل والتي قادتني بدورها للعمل مع الطفل والکتابة له.
وتشير معدة البرامج التلفزيونية الإعلامية هناء صالح إلى أنه وإن تعددت معوقات إبداع المرأة فالنتيجة واحدة والبداية من الأسرة والبيئة التي تنشأ فيها المرأة الأب الأم والأخ الذكر طبعاً وهنا تظهر الذكورية، أيضاً لا ننسى الزوج والابن والأمومة كلها معوقات قد تحد من إبداع المرأة ونجاحها، فالمرأة تكون بين مطرقة واجبات المنزل وسندان إبداعها أما العائق الأكبر فهو المرأة ذاتها عندما تخضع وتستكين لكل المعوقات السابقة.
وحتى لو وصلت المرأة لقمّة نجاحها وإبداعها فهذا لا يروق للكثيرين بذكر عبارات أنت امرأة وما فائدة نجاحك خارج المنزل وفشلك داخله، وللأسف البعض ينظر لجسد المرأة متجاهلاً فكرها متناسياً أن الله وهبها فكراً وعقلاً مثله تماماً.
في النهاية ترى الزميلة هناء أن المرأة الحرة هي المرأة المبدعة الناجحة التي تطلق العنان لإبداعها ونجاحها دون أن تصغي أذنها للفقاعات، فالإبداع لا يعرف رجلاً أو أنثى ولكن ضعفاء النفس والثقة هم من يحددونه والمرأة الناجحة هي التي تحرره وتطلقه نحو فضاءات واسعة.

نور نديم عمران

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار