العدد: 9396
الأحد-28-7-2019
في حاجة التواصل وسائل عدة وأساليب، ولعلّ أقربها إلى القلوب تلك الأماكن التي تجتمع فيها التسلية مع نبض الحياة وشرائح المجتمع كافة، ومع هذا تطبع زائريها بطابع فكري يأخذ شكل لبوس ثقافي واحد، قد يكون موسيقياً أو أدبياً، أو علمياً أو روحياً، وتبقى المحصلة النهائية، تلك الروح الهائمة التي تنثر عبيرها على شجن ولقاء وحوار، نتاجها نتاج عقل صنع إبداعات عدّة، بأسماء عدة ما زالت أفكارها ومقولاتها هائمة بيننا، لأن مؤسسي ومتبنّي هذه الزوايا لهم تميزهم العقلي في ناحية ما، فأبدعوا في أماكنهم كلها والتي منها التي كانت تضم حراكهم العقلي والروحي معاً، من هذه الزوايا المتميزة مقهىً ثقافي في اللاذقية تحت مسمّى (كراكاس)، صاحبه والمشرف عليه الفنان والممثل المسرحي رامي غدير، حول نبض هذه الأماكن ومدى حيويتها كان لنا حوار معه نحسّ النبض أكثر…
* المقاهي الثقافية جزء من فضاءات المجتمع، كيف ولدت الفكرة عندك لإنشائها؟ ولماذا؟
** ولدت الفكرة من الحاجة لوجود مكان يجمع المهتمين بالمسرح خاصة والمهتمين بالثقافة عموماً فكان المقهى مكان بديل بغياب الأندية الثقافية والصالونات الثقافية التي كانت تجمع المثقفين بشكل عام.
* عادة ما تجمع المقاهي الثقافية كل أطياف المجتمع، لكن هناك طابعاً قد يقولب المقهى الثقافي، برأيك ما العامل الفاعل في ذلك؟
** العامل الأساسي لقولبة أي مقهى هو الحالة الفكرية التي تجمع الناس ولذلك صار هناك عدد من المقاهي مهتم بشأن ثقافي واحد إن كان مسرحاً أو موسيقى أو شعراً أو سينما وأصبح المهتمون في المجال الثقافي يجتمعون في هذا المكان حتى يستطيعوا أن يتواصلوا في زحمة الحياة التي يكون الجميع غارقاً فيها وغارقاً برحلة العمل لتأمين لقمة الحياة فكان المقهى هو المكان الذي يجمع الجميع على حد سواء ومن كل أطياف المجتمع.
* أغلب الأدباء والمفكرين العظماء، كانوا من رواد هذه المقاهي، برأيك ما الدور الذي يلعبه المقهى في إنتاجهم؟
** المقاهي تؤمّن مكان لتبادل الأفكار والمعلومات بعيداً عن المنازل ومشاكل الأسرة، في المقهى نستطيع أن نرى أشخاصاً يستمعون لنفس الموسيقى أو نفس اللون من الغناء الذي يجعلهم مرتاحين وقادرين أن يخرجوا من جو التقاليد المنزلية ويحسوا بحرية طرح الأفكار ومناقشتها.
* المقهى قد يلعب أدواراً إضافة إلى دوره الأساسي، قد يكون تجمعاً فكرياً فاعلاً لتغيير ما، سياسي أو اجتماعي أو ثقافي معين، كيف ترون ذلك، وهل من تأثير حقيقي في هذا؟
** لا أتوقع أنّ المقاهي عندنا وصلت إلى مرحلة التغيير، والثقافية بالتأكيد لها دور مساعد بشكل خجول، لكن يمكن أن يكون لها دور بتغيير ثقافي نتيجة تلاقي الأفكار على مختلف انتماءاتها السياسية أو الدينية أو الفكرية فالمقاهي من الممكن أنْ تساعد بتقريب وجهات النظر والأشخاص لأنه قد يحصل بينهم رابط خفي يجعلهم يحسّون بانتمائهم لمكان واحد ومن الممكن أن يبدؤوا بتقبّل بعضهم أكثر حين يسمعون بهذا المثقف أو الفنان، وهم لا يعرفونه بشكل شخصي، لذلك يتم بشكل تلقائي تحسين صورة المثقفين أمام بعض أو إقصاء مثقفين مدّعين من الساحة الثقافية لأنها قد تكشفهم على المدى الطويل.
* الطبعة الالكترونية للثقافة الآن، بأبعادها المختلفة، وتغير جغرافية الفكر وشكل المعلومة التي أصبحت متاحة في أجزاء من الثانية، كيف يؤثر ذلك على النمط الثقافي للمقهى؟
** أصبح هناك شرط أساسي في أي مقهى أن يوجد عنده إنترنيت سريع جداً والغاية الحصول على أكبر المعلومات التي لا نستطيع أن نحصل عليها في المنزل فمثلاً قد نرى مقاهي معظم روادها طلاب عمارة لأنّ دراستهم تتطلب العمل على شبكة الأنترنيت أكثر من المراجع الموجودة بين أيديهم وهكذا معظم المقاهي مثل المكتبة العامة ونحن بمكاننا في جلسة مع الرفقاء نحصل على أي معلومة تغني فيها الجلسة.
* زوار المقهى من أصناف مختلفة الأهواء والأمزجة والقناعات، هل يؤثر هذا على طابع المقهى، وإن كان ذلك كيف يؤثر بشكل إيجابي أم سلبي؟
** الميزة الإيجابية للمقاهي أنها تجمع أطيافاً من أمزجة وقناعات لأنها تعمل على دمج المجامع لنعرف الآخر كيف يفكر؟ وندحض أي معلومة نسمعها من القيل والقال على أرض الواقع وبوجود هؤلاء الأشخاص الذين كنا نعتقد أنهم يختلفون عنا كثيراً، نفاجأ أنهم يختلفون عنا قليلاً ونلتقي بكثير من الأفكار وهذه النتيجة هي أهم إيجابيات المقاهي.
* ما الصعوبات التي تتعرضون لها، وما آمالكم المستقبلية؟
** الصعوبات هي الصعوبات التي تصيب أي بلد يعيش حالة الحرب الدولية عليه لأنه صار للمواطن همّ تأمين قوت يومه ولذلك انخفض عدد رواد المقاهي بشكل أو بآخر نظراً للظروف الحياتية فالمثقف الذي كان يأتي كل يوم صار يأتي مرة أو مرتين في الأسبوع وهذا يؤثّر على قدرة المقهى في الاستمرار بالحفاظ على مستوى يليق بالمثقف الذي يقصده، نأمل أن تنزاح هذه الغيمة عن سماء الوطن ليرجع الوطن معافى أكثر ويستطيع الجميع أن يقوموا بنشاطاتهم الفكرية والثقافية.
سلمى حلوم