العدد: 9395
25-7-2019
منذ اتفاقية سايكس بيكو التي رسمت بالقلم والمسطرة حدوداً مصطنعة، وقسمت المنطقة جغرافياً لم تتوقف مشاريع التقسيم، كما لم تأتِ نظرية المؤامرة من فراغ.
راسمو الخرائط لا زالوا ممسكين بأسلحتهم وأفكارهم العدوانية، ولا زالت خرائط المنطقة تُرسم خارج حدود العقل والمنطق، كما لا زالت مصائر الشعوب في المنطقة تُفصّل حسب مشيئة راسمي الخرائط الذين استقدموا أدوات جديدة تنام على سواعدهم وتستميت لتنفيذ خططهم بالنار والدم.
بالمقابل تتابع الأمة مشهد التقسيم مقطعة الأوصال، مسلوبة الإرادة، إذ لا زال معظم حكام الأمة يعيشون برخاء كاذب عند أقدام راسمي الخرائط، وليس ذلك فحسب فهم يتسابقون لتلقف التعليمات التي تسرع في رسم الخرائط التقسيمية على الأرض وتنفيذها وفق مسطرة التوجيه الأمريكية، كان ذلك منذ احتلال العراق، إلى حرب تموز لتصفية المقاومة اللبنانية، إلى الربيع المزعوم والمحطة الأخيرة صفقة القرن لتصفية فلسطين.
حدة الجموح الأمريكي لتنفيذ خطط التقسيم تزداد يوماً بعد يوم، تؤكد ذلك تصريحات أغلب المسؤولين الأمريكيين الذين لم يخفوا نواياهم الشيطانية بأن حدود أمنهم القومي هو آخر قطرة نفط في أي بئر عربي أينما كان، وإن كان مشروعهم قد بدأ يرسم خطواته التنفيذية بعد احتلال العراق، فإن الغنيمة العراقية لم تكن سوى المحطة الأولى من المشروع الذي بدؤوا بتنفيذه لإعادة رسم خرائط المنطقة وتقسيمها إلى دويلات متصارعة سهلت في النهاية إخراج صفقة القرن إلى العلن.
ولئن كان (زينغينو بريجينسكي) مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس كارتر وأحد مهندسي اتفاقية كامب ديفيد قد فشل في تنفيذ مضمون كتابه (رقعة الشطرنج الكبرى) فإن مشاريع التقسيم الجديدة التي خرجت إلى العلن استندت إلى خطة برنارد لويس الذي أكد أن اتفاقية سايكس بيكو عجزت عن السيطرة على المنطقة، ولا بد من جراحات جديدة في المنطقة العربية تعيد السيطرة الكلية لأمريكا، شرط أن يبقى الجرح مفتوحاً، ولكي يبقى الجرح مفتوحاً حسب زعم برنارد لويس يجب أن تبقى المنطقة في حالة صراع مذهبي يستنزف البشر ويهدم الحجر.
سورية ومنذ عقود تمردت على الخرائط وراسميها، صحيح أنها توجعت وتتوجع اليوم أكثر بفعل تلك المواجهة اليومية مع أصحاب المشاريع التقسيمية وهي بصمودها تسقط مشروع (عثمنة المنطقة) ومعه مشروع أخونة المنطقة كما أسقطت من قبل مشروع الشرق الأوسط الجديد.
راسمو الخرائط استخدموا كل الأسلحة في سعيهم لتكريس مشروعهم الذي يرسمونه بالدم هذه المرة وليس بالمسطرة وكان سلاح الإعلام أحد أخطر الأسلحة وقد تابعنا كيف بدأ الإعلام المصري الغبي قصف الذاكرة العربية ومن على شاشاته تقدم من يجيد صناعة الدجل ليرمي الأمة وتاريخها في سلة مهملات الماضي متناسياً أن من يطلق نيران مدافعه على الماضي يطلق المستقبل نيران مدافعه عليه.
ابراهيم شعبان