العدد: 9395
25-7-2019
الفن ليس من الكماليات، بل هو حاجة، وخاصة في ظرفنا الحالي فهو نافذة لأرواحنا المتعبة لإتمام مسيرتنا الحضارية، والدراما فن التعبير عن المجتمع بأثره، ووسيلة تعبير احتلت مكانها بين وسائل التعبير الأخرى بعد هيمنة الواقع المرئي وسيطرة ثقافة الصورة على المشهد الحياتي والثقافي والفني والتواصلي.
الدراما حاضرة في فعل المجتمع، ترصد تحولاته، وتساهم في تكوين الرأي العام وتشكيل المنظومات الأخلاقية والثقافية والتربوية كونها قادرة على احتواء ومعالجة موضوعات واسعة (إنسانية، اجتماعية، وطنية) يجد المتلقي في أعمالها وأبطالها قدوة ومثالاً يحتذى به في القيم والمبادئ، وكانت شاهدة على التحولات التي تمر بها المنطقة العربية، وساهمت الدراما السورية في فضح حقيقة ما يجري في ثورات الربيع العربي ونبش المظلم والمستور والمسكوت عنه.
من وظائف الدراما تصوير ونقد الحياة الاجتماعية وخدمة قضايا المجتمع والغوص في الأزقة والشوارع والأحياء الشعبية والعشوائيات لنقل تفاصيل الحياة اليومية للناس الأكثر بؤساً، والتنبيه للعادات السيئة والضياع والتيه والهشاشة التي ترزح تحت بطانة المجتمع الفضفاضة والتعبير عن أماني المجتمعات والشعوب, والتعبير عن نبض الشارع ومحاكاة الواقع بإيجابياته وسلبياته وتقديم رؤية انتقادية للحياة والمجتمع والإجابة عن الأسئلة الملحة التي تدور في خواطر الناس، وإثارة الوعي لدى المتلقي ودفعه لتفهم الواقع ومحاربة التطرف والتكفير والفكر الوهابي الظلامي الأسود من خلال فضح رموزه وأفعاله الهمجية وتصوير الهموم التي حاصرت الناس بفعل الإرهاب عبر تقديم لوحات وحالات اجتماعية توعوية ناقدة وأحياناً بقالب كوميدي لا يخلو من الظرافة والدماثة.
العمل الدرامي شراكة جماعية بكل عناصره ولا يمكن لفرد أن يصنع النجاح بمفرده، وبعض الأعمال منذ حلقاتها الأولى تشد المشاهد برموزها وأفكارها وأبطالها، ويختزل حكايا وقضايا اجتماعية شائكة تحتاج للمكاشفة والطرح والبوح عبر كسر رتابة المألوف بلوحات كوميدية ساخرة ناقدة للحياة اليومية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وتصوير الفوارق الاجتماعية وفنون الشرور والصراع على المال بطرق غير مشروعة، والصراع بين الواجب والأخلاق وإغراء المال, وتقديم إسقاطات على المجتمع وطرح الإشكالات والرواسب التي زادت خلال الحرب الإرهابية الظالمة والحصار الاقتصادي البشع.
وطننا يملك طاقات إبداعية كثيرة (مخرجين، فنانين) والفنان السوري يحتل مكانة مرموقة على الساحة الفنية العربية وبعضهم حلق على مدار العالمية بقدرتهم على الإقناع والإمتاع وتقمص الأدوار بإحساس عال واللعب في الأداء (نظرة العين، طريقة التنفس، نبرة الكلام، تلون الصوت، قسمات الوجه، تبسم، عبوس، ضحك) وتوظيفها بدقة لخدمة العمل، وتنوع المشاعر المتناقضة ضمن حدي الضحك والبكاء، الحب والخذلان، الخير والشر، الغني والفقير، وما يترتب عليهما من أحاسيس مختلفة بفنية طرائقية تحفز الخيال لإبصار ذات المشهد من زوايا رؤية مختلفة.
للدراما دورها الجاد في تأجيج المشاعر الوطنية وتصوير تضحيات جيشنا البطل وشحذ الهمم والحث على الصمود وتمجيد بطولات الجرحى وتخليد تضحياتهم، والدراما السورية كانت دوماً لصيقة الواقع الحياتي والاجتماعي والوطني ومارست دورها في التصدي للمؤامرة والحرب الإعلامية الإرهابية الشرسة على سورية، وستعود الدراما من جديد لاحتلال مكانها الذي يليق بها وتتابع مسيرتها نحو التألق والإبداع برغم ظروف الحرب والحصار ومكائد الأعداء، والموسم الدرامي الرمضاني الحافل السابق يؤكد انبعاث وتعافي الدراما السورية والتبشير بمستقبل واعد زاهر.
نعمان إبراهيم حميشة