صوت المـــرأة يضيء قناديــل الثقافــة ويجدد لقـــاءات الفــرح

العدد: 9285

5-2-2019

 

حين يكون القلب مفعماً بالحب يُدفن أيامه الباردة، ويمسح عن جبين الليالي كل ألم، يعانق العالم في سويعاته القليلة أو يديرها في لقاء يغدو للنبض واقعاً آخر أو إشراقاً لحياة تكتنز الأمل..

من الأمل الذي يملأ قلوباً التقت ورسمت ملتقىً يشكل ميعاداً يتجدد دائماً بالعطاء، وتزهر لمّته أناشيد عشق للوطن، للروح، للأحلام، يحمل قنديله ويسير على درب من فرح وحبّ وشغف، وبشغف العارف الواثق، كان لملتقى القنديل الثقافي، نور إضافي آخر يضاف إلى قناديله التي أشعلها وما يزال.

كانت البداية بالوقوف دقيقة صمت إجلالاً وإكباراً لأرواح شهدائنا الأبرار، ليتقدم مسؤول الملتقى حيدر نعيسة مرحباً بالحضور قائلاً: (أيها الإخوة وأيتها الأخوات كل عام وأنتم بخير، المرأة نصف المجتمع، مقولة قد لا تفي المرأة حقها، فالمرأة نصف المجتمع الأول، وهي التي تلد وتربي نصف المجتمع الآخر أيضاً، ولنعد إلى ما نحن فيه، إلى واقع الحال، وحال الواقع ولنرحب بضيوف ملتقى القنديل الثقافي الذين يزيدون زيته وضوءه ويوسعون دائرة الرؤية ومساحات البياض).

في حضرة الشعر وعلى لسان د. وضحى يونس وزميلتها د. غيثاء قادرة وهما أستاذتان في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعتي تشرين وطرطوس، عبق الشعر على لسانهما حيث ابتدأت د. وضحى مع مجموعة من قصائد ديوانها الجديد (للعمر بقية) كانت هذه القصائد بعنوان (مطر – رجل شرقي – ثأر مع الكلمات – تعاندني الكلمة – بعض أسمائك، أعدهم بالتحدي) وفيما يأتي مقطعٌ من قصيدتها (رجل شرقي):
علاقتك باللغة
كعلاقتك بالأنثى تماماً
تفهم منها ما تريده أنت
وتريد لها أن تعني ما تفهمه أنت
إذا كنت ترأف بالأنثى
فارأف باللغة
كما زاد وصل الشعر حضور د. غيثاء قادرة والتي نشرت الكثير من القصائد والنصوص والمقالات وشاركت في العديد من المهرجانات والمؤتمرات الأدبية والثقافية داخل القطر وخارجه، كان لها مشاركتها في هذا الملتقى حيث أنشدت مجموعة من قصائدها حملت عناوين مختلفة منها (غياب القمر، حفيف الضوء، لك وحدك) ونقتطف من قصيدة (ويسألون) هذا المقطع:
ويسألون؟
على إيقاع الغيث ترقصين
أم لهمس الدّم في الفلوات
ألا يعلمون
يحاكي جرحي المدى
فأنوء بالزحام
بالرؤى
بخيالاتٍ. . . ارتدّت بالصور
ولأن الصوت في ليلة القنديل هذه كان أنثوياً بامتياز كان للشاعرة فداء برادعي حضورها الفاعل المفعم بالإحساس حيث ألقت مجموعة من القصائد الشعرية كان منها (ستذهب إليها وتعتذر – عذراً أيها الغزل) تقول في مقطع منها:
عذراً أيها الغزل
ما عدت أذكركَ
تنحى عني، فأنا على عجل
عذراً أيها الغزل
ما عدت أنظم لك الزجل
ما عدت أندب حظي
وأنتظر الحبيب وأعيش على الأمل
ما عدت أترنم بكلماتٍ
عن حبيب لوصاله
الشهد اكتمل
ما عاد بقلبي سوى تراتيل
وصلوات أرددها للوطن
الذي ليس بقلبي له بدل
ورغم أن هذا اللقاء كان يحتكره صوت المرأة، إلا أن لصوت الرجل حضوره هذا الفاعل لأنهما معاً أولاً وأخيراً تكوينة الكون، فأنشد الشاعر رشيد صبيحة قصيدتين كانتا بعنوان (قلبي بحبك يا فيحاء هيمان، العيد هذا العام) ومن قصيدته يا فيحاء نقتطف الآتي:
قلبي بحبك يا فيحاء هيمان رغم المآسي فإنّي اليوم فرحانُ
جرحي العميق أرى أي يضمّده كأنه في بلاد اليوم لقمانُ
دم الشهيد روى أرضي فطهرها والدم نورٌ به تنجاب أحزان
وفي مداخلة للشاعر المهندس هيثم بيشاني، كانت عبارة عن ومضات جميلة قال في واحدةٍ منها:
هل لي خطيّ حاجبيها بعض سلطان عليها
أيشفع الذنبُ لصبّ ماثلٍ بين يديها …؟
وطالما يصدح النغم الشجي في هذا الملتقى، عانقت الموسيقى الشعر وانطلقت نحو سموّ كوني، هذا السّمو الذي فسر تركيبه وأفرد معانيه الشاعر الموسيقي أديب عباد في حديث عن الفن والموسيقا ولغة العالم، قال في مقتطع منها: إن الحياة تتألف من مواقف لا تكفّ عن التغيير، ونحن نواجه مطالبتها بنجاح عن طريق تكييف فكرنا وسلوكنا تبعاً للمواقف الجديدة، فلا بدّ أن نكون مرنين واسعي الحيلة، وعلينا ألا نتشبّث بأنماط ثابتة من السلوك عندما تكون بيئتنا المتغيرّة قد جعلت هذه الأنماط عتيقة بالية، إن من الناس أنماط يحولون الحزن إلى فرحٍ والتشاؤم إلى تفاؤل والشقاء إلى سعادة والفقر إلى غنى، واختتم بالقول: إن القوة البنائية في الإبداع الفني كما في كل نشاط عملي هي المهارة التي تكتسب أثناء التعلم والتدريب والتي تُطوّر أثناء الممارسة العملية القدرة العالية على خلق القيم الفنية المشيئة والمجسمة مادياً، وامتلاك المهارة، حالة طويلة ومرهقة من التعلم الحرفي واستيعاب كل إنجازات الثقافة الفنية العالمية، ولا يمكن أن يبتدأ الحديث أو ينتهي إلا بحضور الأرواح الأبية التي ما زالت تظلل الحياة في سورية، فحديث الشهادة طويل ووفيّ فكيف إذا كان على لسان الأنثى زوجة أو أختاً أو ابنة شهيد فقدمت رهف سلطون ابنة الشهيد اللواء زكريا سلطون مداخلة قالت فيها:


لا يوجد بيت في سورية إلا وقدّم شهيداً أو جريحاً، ولا يوجد بيت في سورية إلا وفيه ابن من حماة الوطن، أنا ابنة من هذه البيوت، ألمنا كبير بفقد والدي ولكن فخرنا أكبر، فمن رحم الألم يولد الأمل فالتاريخ لا يصنع العظماء، بل العظماء هم من يصنعونه ليسطرونه بحروف من نور، وشهداؤنا سطّروا على صفحات المجد تاريخاً تسامى للعلا، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل أن نحيا، ليس هناك كلمة يمكن أن تصف الشهيد، ولكن قد تتجزأ بعض الكلمات لتحاول وصفها، فهو ذاك الذي يجعل من عظامه جسراً ليعبر الآخرون إلى برّ الأمان والاستقرار، هو الإنسان الذي يشرق كالشمس إن حل الظلام، ظلام الحروب، من أي سبيكة صيغت نفوس هؤلاء الشهداء أي بطولة تلك التي ظهر بها أمام هذا الإجرام والإرهاب لقد واجهوا وحشية آكلي قلوب البشر بكل رجولةً وبطولة ولم تخفهم مفخخاتهم ولا غدرهم بل كانوا سنديان الوطن بصلابتهم وتمسكهم بجذور سورية فلتنم يا وطني بدماء شهدائك فالتراب الذي لا يختلط بدم الشهيد لا يمكن أن يكون تراباً عطراً والأرض التي لا يدفن فيها شهيدٌ لا يمكن أن تدوم، دماء الشهداء لم تذهب هدراً، ليس انطلاقاً من الحقد وإنما من الحق حمى الله قائدنا حمى الله جيشنا الباسل ورحم شهداءنا الأبرار والنصر المؤكد لسوريتنا الأم.
وفي مداخلة فنية اختتم اللقاء على أنغام من الزمن الجميل ومجموعةٍ من أغانٍ لفيروز وأم كلثوم ليغادر الحضور المكان وقد امتلأ بالشجن والحب والأمل، على أمل أن تمتلئ كل بقاع سورية بهذا الوفاء.

 سلمى حلوم 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار