العدد: 9393
الثلاثاء 23-7-2019
رسمت رغداء جديد بحبها وشغفها الفطري للمسرح مسيرة عابقة بذكريات وحكايا وخبرة امتدت على أكثر من ثلاثة عقود، اختبرت من خلالها الكثير وقدّمت الكثير لمسرح اللاذقية عموماً والمسرح الجامعي خصوصاً، هي التي درست الاقتصاد، ولكنّ جهدها ووقتها وروحها وضعتها بالمسرح، فكانت واحدة من الذين دعموا المسرح في اللاذقية ليكون له ألقه ومكانته مارّاً بفترة الذروة، وليعبر خارج حدود سورية، فأين هي رغداء جديد اليوم من ذكرياتها مع المسرح؟ والذي فضلّته في كثير من الأحيان على بيتها، فكان بيتها الأول وملاذها.
شريط ذكريات حافل لرغداء جديد فيه الفرح والدموع والألم والحظ بالعمل مع كبار أمثال نضال سيجري وأيمن زيدان، فيما يأتي حديث ودّي معجون بالصدق كان لنا معها.
* رغداء جديد مسيرة مسرحية لأكثر من /3/ ثلاثة عقود ، فيها الحلو والمر، هل لنا أن نمر على ذكرياتك من البداية مروراً بأبرز المحطات؟
** تجربتي الأولى بالمسرح كانت مع الفنان العظيم أيمن زيدان في مسرحية (رأس المملوك جابر) وكانت بحدّ ذاتها تجربة لها خصوصيتها، كونه لأول مرّة أقف على خشبية المسرح، ولأول مرة أعرف معنى كواليس وخيال وتخيّل وقصص أخرى كثيرة عرفتها لأول مرة، فعندما نحضر عملاً مسرحياً، نرى الظاهر فقط، ولكن المسرح من الداخل مختلف ففي الكواليس والبروفات عالم معرفة مسرحية للفنان، كنت محظوظة بالتعاون مع الفنان الكبير أيمن زيدان، عموماً قديماً كان لدى الممثلين المسرحيين همّ تقديم عروض مميّزة وهامة، وليس عروضاً كيفما اتفق، كانوا يبحثون بعمق وجدّية ليجدوا نصّاً نوعياً فريداً، بينما اليوم نرى هناك استسهالاً لتناول النص المسرحي دون البحث إلى أين سيأخذنا هذا العمل أو ذاك؟ وهذا سؤال مهم جداً.
* قدّمت عروضاً بالعشرات، فما هو العمل الذي صنع نقلة نوعية لك خلال مسيرتك؟
** كل عمل مسرحي صنع لي مخزوناً، وكان لزاماً عليّ أن أستفيد منه حتى وإن لم يكن هذا العمل جيد المستوى، كان عليّ أن أستفيد من أخطائي وأستفيد من أدوار الحالات المسرحية التي كانت لا تشبه حياتي.
هذا بحد ذاته ما يخلق للممثل نقلات نوعية ويدعم مسيرته كفنان، أيضاً نوعية الأشخاص الذين تعاملت معهم هي من صنعت فرقاً نوعيّاً عندي، كالتعامل مع الفنان هاشم غزال والفنان الكبير نضال سيجري من خلال نوعية الأعمال المسرحية الرائعة التي قدّماها، لن أنسى التعامل مع الفنان نضال سيجري الذي كان له وقع خاص عندي لأكثر من سبب أهمّها أنّه كان فناناً له باع في المسرح، بل كان من أحد روّاد المسرح في سورية بالعصر الحديث، وكان مبدعاً ومميّزاً في تناوله للعروض التي لا تشبه غيرها، هناك مخرجون أثرّوا فيّ، وهناك مخرجون كانت تجربتي رديئة معهم وحذفتها من ذاكرتي، لأنه لا يناسبني أن أستمرّ في المسرح وأفّكر في أنّه كانت لي تجربة رديئة، بالعكس تماماً كنت أفكرّ بالأعمال التي تركت عندي أثراً جميلاً، وأعطتني دفعاً نفسياً ومعنوياً لأستمر بالمسرح.
* اليوم بعد كل ما مررنا به، كيف ترين واقع المسرح؟ أو بمعنى آخر ما هو تقييمك له؟
** للأسف وبصراحة واقع المسرح السوري اليوم رديء ومحزن رغم أنّ هناك نضالاً ليستمر المسرح رغم كل الظروف، قلت رديئاً ومحزناً لأن المسرح أصبح شغلة من ليس له شغلة، وأصبح كل من صعد على خشبة المسرح لمرة يعدّ نفسه فناناً مسرحيّاً مهماً، وللأسف لا يوجد من يضع حدّاً، لا أحدّ يضع حداً لأحد، والحبل متروك على الغارب وهذا شيء مخزن للأسف الشديد أن يكون هناك دخلاء على المسرح، إضافة إلى أن نوعية العروض التي تقدم على المسرح اليوم سواء من محترفين أو من هواة فيها استسهال أيضاً وعدم احترام لعقل المتلقي، هذا المتلقي الذكي، تحديداً في اللاذقية، عروض كثيرة تقدم لهذا الجمهور الذي على كثرة العروض المقدّمة له تصبح لديه معرفة ومقدرة لتقييمها، لذلك من واجبنا كمسرحيين أن نحترم هذا العقل السوري المتميّز ونقدّم له عروضاً تليق بفكره، وهذا للأسف عائقٌ مهم يؤثر اليوم على واقع المسرح في سورية، هناك وفرة بالعروض ولكن ندرة بنوعيّة المميّز أو المبدع في هذه الأعمال المطروحة.
* من خلال خبرتك كيف يمكن بناء نفس مسرحيّ جديد ومثقف؟
** من الضروري جداً أن يدّرس المسرح في مدارسنا من الصفً الأول، مثله مثل المواد الأخرى الرديفة كاللغات والرياضة والرسم، لماذا لا يدّرس المسرح في مدارسنا؟ هو سؤال يجب أن نطرحه، لماذا تستبعد وزارة التربية تدريس المسرح في المدارس؟
* كانت لك في السينما أيضاً تجارب عابرة، برأيك لماذا يوصد باب السينما على فناني اللاذقية تحديداً؟
** بالسينما كانت لي أربع تجارب لأفلام قصيرة، كانت تجربة حلوة ولكنها ناقصة وغير مشبعة لأنها كانت مع تجارب الشباب المبتدئين، بالنسبة لسؤالك عن إغلاق الأبواب السينمائية في وجه فناني اللاذقية، لا أقدر أن أجيب عليه لأنني بعيدة تماماً عن الجو أفصل دائماً بين حياتي الفنية والعائلية.
* ماذا تقولين للشباب المسرحي اليوم؟
** المسرح فنّ جميل، لا يكفي أن أحبّ المسرح أو أكون موهوباً لأشتغل بالمسرح، موضوع المسرح أكبر من كلمة أو إحساس عابر، المسرح بحاجة لروحك لصدق إحساسك، لصدقك بالعطاء، لجهدك، لالتزامك، لثقافتك، لفكرك، لذوقك لتكون متميّزاً ومختلفاً، المسرح هو ثاني أصعب مهنة، بعد عمّال المناجم هو يحتاج لتعب أكثر، هو يحتاج ألا نكون مجاّنين أو سخيفين، أحزن عندما أرى شاباً مسرحياً في أول حياته يراوح في مكانه لا يبحث عن التجدد والتنّوعّ، وهذا قد يكون لأنه يعمل مع شخص واحد، على الممثل المسرحيّ الشّاب وغير الشّاب أن يعمل مع مخرجين مختلفين ليكتسب خبرة من عدة نواح.
مهى الشريقي