الوحدة: ٣١-١-٢٠٢٥
حروفُ الأبجديّةِ من منابرِ الأدباءِ والشّعراءِ والمفكّرين والمثقٌفين السّوريين هي بلسمٌ لنشرِ الوعي والإدراكِ كي تلتئمَ جراحُ الوجعِ، ويثبتَ ميزانُ العدلِ فوقَ ترابِ الوطن.
الأديبة والشّاعرة عهدات موسى كتبت في هذه المقالة تُبيّن دورَ القلمِ في الحفاظِ على محبّةِ السّوريين بكافة أطيافهم وتآلفهم وقتَ المحن:
لم نكنْ يوماً ما نتخيّلُ بأنَّ جذورَ سنديانِ الوطنِ يبكي على وحدةِ ترابهِ حينَ تتمزّقُ بأيدي مَنْ تكاتفَ على زراعةِ بذورِ المحبّةِ والتّسامحِ والألفةِ والتّعايشِ المشتركِ بينَ جميعِ مُكوّناته وأطيافهِ السّورية.
لكن تبقى يدُ السّوريّ بنّاءة في النّهوضِ بأعمدةِ الوطنِ الموجوعةِ والمكسورةِ لتشكّلَ مِظلّةً يعيشُ تحتها كلّ مَنْ أحبَّ وطنه، وكلّ مَنْ تسلّحَ بمصداقيّةٍ، وطنيّةٍ بعيدةٍ عن غضبِ سمومِ الدّولِ الخارجيّةِ التي تصفعُ غضبها بعصا الطائفيّةِ لتنالَ من شعبٍ عشقَ حريّةَ التّعايشِ مع كلّ أبناءِ الوطن، الذين لم ولن يُريدوا له يوماً أن يكون إلّا مُكلّلاً بوحدةِ الأرض ووحدةِ الشّعب، ليحافظوا على هويةِ سورية وحضارتِها وثقافتِها وأديانِها ومقدّساتِها وعروبتِها ومكانتِها السّامقة في عيونِ الشمسِ والقمرِ وملائكةِ الرّحمنِ التي تحفظُها من شرورِ كلّ مَنْ أرادَ بها شرّاً.
ومنَ الماضي البعيدِ القريبِ المؤلمِ الذي أحاطَ بسوريّتنا عبرَ سنينِ القمعِ والفقرِ والجوعِ والتّسلطِ وغيابِ حريّةِ الرأي، تنتقلُ سوريّة اليوم إلى ضفافِ الأملِ وهي تكتسي حلّةً جديدةً بفكرٍ يُنادي الخلاصَ من الماضي المقيتِ إلى حاضرٍ ومستقبلٍ مُشرقٍ يتطلّبُ أيادٍ بيضاءَ وفكراً نيّراً يتماشى معَ التّقدمِ التّكنولوجيّ العالميّ كي تكونَ سوريّتنا عمودَ السّماءِ الذي يُشرقُ بأنوارهِ على ساكنيهِ وعلى كلّ العالمِ الذي يترقّبُنا من منظارٍ قريبٍ وبعيدٍ ليشمتَ بفُرقتنا.
واجبُنا اليوم نحوَ وطنٍ عشنا فيهِ ودافعنا عن وحدةِ ترابهِ وأرضهِ منذُ الأزلِ، وانتصرنا فيهِ على كلّ غازٍ ومُحتلٍ طُرِدَ مهزوماً مكلوماً بخيبةِ بقائهِ فوقَ أرضنا الطّاهرة.
واجبُنا أن نتكاتفَ وننسى كلّ مورثاتِ الطّائفيّةِ التي لا تجلبُ سوى عار الحقدِ والكرهِ والتّفرقةِ بينَ أبناءِ الشّعبِ السّوريّ الحرِّ المُوحدِ ، شعبٌ يُناشدُ بالعيشِ المشتركِ وتقاسمِ الأحزانِ والأفراحِ مهما بلغت ذروةُ الصعابِ لثورةٍ طمَحَتْ إلى بزوغِ شمسِ الحريّةِ التي ستُشرقُ فوقَ سماءِ الوطنِ، لتعطيَ دفءَ المحبّةِ والأمانِ والسّلامِ لشعبٍ أرادَ العيشَ بكرامةٍ وإنسانيّةٍ في ديار كرامة الوطن.
* الباحث في التراث نبيل عجمية قال:
في سورية حيث تجتمع آلام الحرب مع أحلام التغيير، تزداد أهمية دور الأدباء والشعراء والمثقفين في الحفاظ على الذاكرة الوطنية، وتنشيط الحوار المجتمعي، والتمسك بالقيم الإنسانية. ومن المهم التأكيد هنا أن المثقف، بالمعنى العام، ليس مرتبطاً بالتحصيل العلمي أو الأكاديمي فقط. فالمثقفون هم أولئك الذين يمتلكون القدرة على التفكير النقدي، والتحليل العميق، والذين يسعون للبحث عن الحلول، سواء من خلال التعليم الرسمي أو من خلال التجارب الشخصية والملاحظات الحياتية.
في هذا الصراع المستمر، لم يكن المثقف مجرد شاهد على الأحداث، بل كان هو الصوت الذي يحاول أن يبدع طرقاً جديدة لفهم الواقع، وتحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي، وأن ينير الطريق في عتمة الأزمات. الثقافة في هذا السياق ليست حكراً على أصحاب الشهادات الأكاديمية، بل هي ملك للجميع، سواء كانوا علماء أو فنانين أو شعراء أو باحثين، أو حتى أولئك الذين يمتلكون حكمة الحياة التي اكتسبوها من تجاربهم اليومية.
لقد شهدنا في سورية، خلال هذه السنوات العصيبة، تطوراً في مفهوم الثقافة، حيث أصبح من الضروري أن تتجاوز الثقافة حدود الكتب والمكتبات لتصبح جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية والواقع المعاش. الثقافة هنا ليست ترفاً فكرياً، بل هي أداة مقاومة حقيقية، وسلاح يستخدمه الأفراد لإعادة بناء الروح الجماعية، ولتعزيز الوعي الجماعي بالحقوق، والعدالة، والمساواة.
المثقف في ظل هذا الصراع هو الذي يحاول بناء جسور الفهم بين مختلف الطوائف والمجتمعات السورية، ويعمل على ترسيخ قيم الحوار والتعايش.
معينة أحمد جرعة