كريستال قصائد تعكس خصب الخيال واللغة الشاعرة

العدد: 9388

الثلاثاء16-7-2019

 

كما تتفتح أكمام الزهر ليضجّ العبير في أرجاء المكان وينعش أنفاس العابرين كذا كلمات الشاعرة المجتهدة مرغريت جمل، وكما عطر الكلام يفتح القلوب الصدئة على طيوف المحبة، نقلتنا شاعرتنا بصدق أحاسيسها ونبل مشاعرها وقوة البيان في قصائدها إلى أفياء وارفةٍ من الإبداع متوجٍ بحروف الحب والجمال وخصب الخيال.. كل ذلك قرأناه في باكورة أعمالها وفي ديوانها (كريستال) الذي بدأ بقصيدة (علميني كيف؟)
فالمعرفة بالأشياء مدخل لازم لسبر أعماقها لكنّ شاعرتنا تبغى معرفة بعينها عندما تقول: علميني كيف أطيرُ.. علميني كيف تداعب شعرك النسمات ولا أغيرُ.. علميني كيف أمرّر سكاكيني بين ثنايا الحرير ولا أخدش حياء الأثيرُ.
وتنقلنا بجزالة معانيها إلى صور اجتماعية حياتية يشعر معها كلُّ منا أنه جزء من الحكاية والسرد والقص والكلمات الموزونة في تراتبية لغوية شاعرة وكل منا يشعر أن هذه القصيدة له وله وحده كونها لامست تفاصيل حياته تقول: يدعون حباً يقتله صقيع السنين وشغفاً ينتحبُ على إيقاع الحنين وأنا أسافر في كحل عينيك أحتسي قهوتي من سواد يسرح في مقلتيك وببوح العاشق الغارق في صدقه وشفافيته تقول في قصيدة(عشقٍ يفوح) لا يزال ربيع العمر وردياً على الشفاه رباه كم أحببته رباه.
ولم تنسى زمن الفتوة الأولي، زمن المراهقة حيث الجموح لا يعرف الانطفاء ولا مستحيلات الأشياء تقول قصّرت تنورتها فوق ركبتها صارت أطول بكعب رفيع وأجمل من غصن بان يتمايل كنسمة ربيع حياتنا مثقلة بالأوجاع والتناقضات والأمراض الاجتماعية وكُلّ يرى أنه الصواب، تقول عندما ينثر الآباء بذور الشوك لا يقطف الأبناء الأزهار أقنعها حبيبها المغوار بالهروب عندما يطوي الليل النهار ولأن الشاعرة امتلكت ناحية الإبداع فقد أعطت مشروعها الإبداعي آفافاً رحبة واتساعاً يطمح إليه أي مبدع لذا نراها تنقلت من صورة إلى أخرى راسمة بالكلمة الشاعرة صوراً لحالات لا تعتبر في حياتنا قبل أن تسبّب جراحاً وأملاً لا يندمل تقول في قصيدة حطام القلب:
من البداية إلى النهاية كنت تكذبين وبمشاعري تعبثين وتعبثين وكذا الأمر في قصيدة (يوماً ما) بلغ في قسوته منتهاه.. حياتي فارقتها الحياة.. يا ويلتاه يا ويلتاه.. جفت دموعي.. ضاق صدري بضلوعي.. لمن أشكو همي.. لأبي أم لأمي؟ وكيف أتخذ القرار؟ في مجتمع يمنحني ويحجب عني الاختيار وفي المجتمع الشرقي حيث تتغلب الذكورة وتصبغ المجتمع بصبغتها المتوارثة فتغيبُ الأنوثة وتتوارى دمعها خلف انكسارات لا نهاية لها.
كانت الريح تصفع شعرها.. وهي تتحسس ضرباته السادية.. مغلوبة على أمرها عيناها متورمتان.. شفتاها تتوقان للحرية وتحطيم أغلال
وفي قصيدتها(لا تغادر) تقول: لا تغادر .. لستُ دمية تحركها بيديك.. آن الأوان لأضع نقطة النهاية.. آخر سطر حكاية ليتها لم ترو النهاية.
وبفيض من مشاعر تعود لتسكب كلماتها شعراً هامسةً في ليل الأسرار، راصدة مأساة لا زالت الفتاة الشرقية تدفع ضريبتها في مجتمع لا يقيم وزناً لأنوثتها: فرق الذئب حلم الأقحوان.. قطف النارنج قبل الأوان.. لكنه لم يلمس الروح عبق أحلام ما زال يفوح، ويتكرر المشهد في قصيدة (رفقاً بي) واحسرتاه عليّ واحسرتاه .. غرس خنجره في صدري.. سحق أنوثتي بيده أحرق بهجة عمري..
وإلى آخر قصائد الديوان تتابع شاعرتنا الشاعرة عزف ألحان المحبة بصدق و عفوية ساعدها في ذلك متانة الديباجة وقوة البيان والقوافي فجاءت قصائدها وكلماتها مرصوفةً متماسكةً كبناء هندسي لافت، كل حجرة فيه أخذت مكانها موشاة بالحب والصدق فالحب عندها رواية لا فواصل فيها ولا نقط وأنا وعيناك فقط
كريستال عمل إبداعي بامتياز في زمنٍ أحوج ما نكون فيه للحب واللغة الشعرية والصور الإنسانية.

يمامة إبراهيم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار