مصــــافحة فنيــــة وفكريـــــة وروحــــية بين ســــورية وتـــونس

العدد: 9388

الثلاثاء16-7-2019

 

لا يتوقف الفنان محمد بدر حمدان عن كتابة نشيده البصري محفوراً على جسد البياض الخافق بالأسئلة من غير إجابة.
نشيده الإنساني النابض في ملامح وجوه أتعبها الانتظار على شرفات الحلم واشتهاء البوح في صمت أغنية الجمال الموشوم بأنغام المحبة.
يرسم الفنان محمد بدر حمدان أشعاره البصرية من الموسيقا والخطوط التي تقدم الأشكال على كل أرجاء وفضاء المشهد التشكيلي المزدحم بخلايا الضوء وتوهج الكلام، ولا يتوقف…
تلك الكلمات ومثيلاتها خير وصف جاء لمعرضه (مصافحة) الذي تصافح فيه مع التشكيلي التونسي حسين مصدق ليقدما معا فناً راقياً بمعنى الكلمة للمهتمين العرب.
فبعد عودته من تونس التقينا التشكيلي محمد حمدان ليحدثنا عن سفره ورحلته الفنية الغنية حيث يقول:
السفر مساحة بيضاء مثل بياض اللوحة قبل بداية الحوار الذي ينتهي إلى عمل تشكيلي وينتهي بعد خوض المسافة واحتضان المكان الجديد ومصافحة ملامحه إلى ثقافة جديدة تتشكل عندي كأنها ولادة جديدة لي.
وكما أن السفر بخفاياه هو ثقافة أخرى يكون المسافر أيضاً حاملاً لثقافته الجديدة على المكان ويحصل حوار في أبسط حالاته يمازج هويتين ثقافيتين.
بالنسبة لي حين تفتح أبواب السفر إلى مكان أجهله ينتابني إحساس عارم بالفضول بأنني ذاهب إلى حوار جديد مع المكان بما يحتويه من ملامح وتكوينات وتشكيل يتربع في أعماق الزمان الذي مر من هنا.
لذلك أؤكد بأن السفر هو ولادة جديدة بالنسبة لي وإضافة معرفية وحافز على تشكيل جديد ينشر الدهشة.
* برأيك ما القواسم المشتركة بين الفنين السوري والتونسي؟
في تونس وبعد افتتاح المعرض والكثير من الحوارات الثقافية وجدت بأن الثقافة التونسية رغم تأثرها الظاهري بالثقافة الفرنسية لكنها في العمق التاريخي هي ثقافة تشبه في الكثير من وجوهها الثقافة السورية العريقة، وهذا بعض مما قلته في لقاء على أثير الإذاعة التونسية.
الفنان التونسي التشكيلي مهموم بالإنسان بشكل عام وهنا أذكر ما كتبت عن أعمال الفنان (حسين مصدق) والوجوه التشكيلية التي يقدمها:
في كل حوار من حواراته الطويلة مع الوجوه التي تأتي من خفق الذاكرة ويعيد تكوينها في وهج الواقع، ينهي الفنان حسين مصدق قصيدته اللونية ببناء مدهش ممزوج ما بين المساحة اللونية والخط الثقيل الواضح الذي يكرس تراكماً ثقافياً يفضي إلى مخزون لا ينضب من صفحات الجمال.
يصبح الوجه عند الفنان حسين مصدق مفتاح الحوار وباب الجمال وهو المكان بكل ملامحه وقسماته اللونية المضيئة بآفاق الحضور الإنساني وأطياف المدى.

* ما أهمية إقامة معارض مشتركة وملتقيات بين تشكيليين من بلدان وثقافات مختلفة؟
الفن التشكيلي هو الحاضن الأبرز للثقافة على مر الزمان، والأعمال التشكيلية قامت بحفظ الحضارة بين قسماتها، لذلك يكون الحوار التشكيلي من أرقى الحوارات الثقافية، وبعد تجربتي في الكثير من دول العالم أدعو إلى إقامة الملتقيات التشكيلية التي تستطيع أن تقيم وتقدم تفاعلاً حقيقياً بين الثقافات، إن اجتماع الفنانين من ثقافات مختلفة وممارستهم الإبداع في مكان واحد سوف يشكل غنى ثقافي في المشهد البصري التشكيلي ويكون المنتج الإبداعي موسوماً برؤية متميزة، ذلك إن الفنان الحقيقي يحمل ملامح المكان الذي جاء منه بكل تفاصيله وألوانه وضيائه.
* المقربون منك يعلمون بعشقك للسفر، لكن ما إن تسافر حتى تشرع ببث رسائل شوقك ووجدك…ما الذي تفتقده في مدينتك ويعيدك دوماً إليها؟
في كل حالات السفر التي واجهتها وبعد كل الحوارات التي أقمتها بكل أبعادها كنت أشعر بأنني في النهاية سوف أعود إلى رحمي البصري الأول المحفور في شبكية العين، كنت أعرف أنني سوف أعود لأرسم الضوء الذي أحبه وأصافح أشكال المدى الذي احتضن طفولتي ولازال.
في تونس قرأت الكثير من ثقافة الماضي العتيق وحين رسمت أول لوحة وضعت لها اسماً بمثابة تحية إلى تونس ورأيت كيف تفاعل الناس معها، أحسست أنهم أحبوها كما أحبتهم.
في كل إطلالة ضوء كنت أعرف أنني سوف أعود إلى أساطيري الأولى التي كتبتها فوق جدران مرسمي هناك في اللاذقية.

نور نديم عمران

تصفح المزيد..
آخر الأخبار