مراتب القول والفعل

العدد: 9388

الثلاثاء16-7-2019

لن يكون ما نسعى إليه بالفكرة أو الكلمة إلاّ إذا كان الترجمة الحقيقية له بالفعل، ذاك الفعل الذي يجعل لكلماتنا وقعاً وصدًى، بل يجعل لها أيضاً وقبل أيّ شيءٍ صدقاً وتصالحاً مع أنفسنا، وهذا ما نحن بأمسّ الحاجة إليه في كل زمان ومكان بل في كل حين ومع كل فعل نُقدم عليه وكلمة نقولها فكَمْ منْ شخص قد ارتقى وسما بنفسه قبل أن يرتقي ويسمو بنظر الآخرين لأنّه تصالح مع نفسه قولاً وفعلاً، فكان خير مترجمٍ لما يؤمن به من قناعات وأفكار ومبادئ، بل كان خير قدوة نقتدي به، وخير رسالة لنا منه عبره ليؤكّد لنا أنّ الإنسان قادر على أن يكون ما يريد إذا أراد هو أن يكون.
وليس هذا الأمر بصعبٍ ولا مستحيل، فكلّنا قادرٌ على أن يجعل من نفسه (وهي حقيقته الكبرى) رسولاً للإنسانية، وصورةً للمثال الأعلى المبتغى، ذاك المثال الذي ما هو إلاّ نحن في صورته الأولى والفُضلى والتي – نحن لا غيرنا – الذين ابتعدنا عنها بسلوكياتنا التي جافتِ الحقيقة والواقع الحقيقي لا ذاك المعيش أو الواقع المزيّف، فلا يستطيع أحد أن يُنكر أنَّ الإنسان يحمل المتناقضات التي كانت سرّ الإبداع الإلهي في الخلق والتكوين، هذه المتناقضات التي تجعل من الإنسان المعلِّم والمتعلِّم في آنٍ واحد، وهو القادر على ترجمة ما يحمل من متناقضات إذا أراد أن ينحى هذا النحو أو ذاك.
نعم إنّه الإنسان امتلك قلباً نابضاً بالحياة، وعقلاً نيّراً يُدرك أيّ الطرق سيسلك ليصل إلى قلب أخيه الإنسان الذي لن يكون إلاّ امتداداً له، وكان سرّه الذي فاض عنه فباح بنفسه عبر نفسه، وأعلن أنّ الحياة لن تكون إلاّ به، فهو العصب والأساس وهو الهدف والغاية، وإنّه السّعادة بذاتها، فلتكن أيُّها الإنسان المُدرك إنسانيتك رسول ذاتك بذاتك ولذاتك، ولتكن الحقيقة التي لا يمكن لأحد أن يبدّلها ويغيّر في جوهرها مهما اختلفت الأمكنة وتبدّلت الأزمنة ومهما تباينت الأهواء والأمزجة بين هذا وذاك من إخوة لك في الخلق ونظائر لك في الإنسانية، وهذا هو سرّ مراتب القول الفعل.

نعيم علي ميّا

تصفح المزيد..
آخر الأخبار