همس الروح!

العدد: 9385

11-7-2019

تأسرني تلك القرى المتناثرة بعفوية كثلوج الياسمين فوق صدر ساحلنا الجميل، وتلفّني برداءٍ من الحنان والسكينة، وهذا العبق الذي يعطر دروبها الليلكية بعطر محبةٍ عذراء.. يذكرني بطفولة هاربة إلى براري الذاكرة..
حين كنا صغاراً نترقب بشوقٍ ولادة صباح جديد لنغزو دروب القرية بأقدام ترقص فرحاً فوق (بُرك) الماء الصغيرة وضحكات تملأ الفضاء، وعبارات الدهشة لأشياءٍ كثيرة نصادفها في نزهاتنا الطفولية..
كم مرة بحثنا عن نبع صغير حفرنا له بأصابعنا المتعانقة ممراً بين العشب وزرعنا حوله خيالات وأمنيات!
كم مرة ركضنا بين الحقول، وأفردنا أجنحتنا الغضّة لجنون الريح..
نحمل في قلوبنا خضر الأحلام، وفي عيوننا نجرُ قوارب زرقاء نحو مستقبل آت..
مرّ زمن.. ابتعدنا كثيراً عن ملاعب الطفولة، وانحدرنا من سكة الغيم إلى شوارع الإسفلت..
غابت وجوهنا الدافئة في صقيع المادة..
سرقتنا شاشات جوالاتنا… ونغماتها المتناقضة..
تناسينا أغاني الصنوبر، وعناق الكرمة، وطعم الكستناء..
قاربتنا» التكنولوجيا» في المسافات الجغرافية لكنها في الوقت ذاته باعدت ما بين قلبٍ ونبضٍ.. ما بين وردةٍ وعطرها!
شعور بالحنين يعترينا بين حين وآخر.. يجردنا من لغة الأرقام والحسابات ندخل زحام المدن الملبدة بالغيوم والغبار.. ننهمك في دائرة العمل والهموم اليومية.. تخذلنا العواطف والأحاسيس والوردة المعلّبة على طريقة قوالب الإسمنت.. تؤلمنا أشواكها الباردة..
فما تزال تلك الذاكرة الخضراء تنبض بكثير من الدفء.. وترسم في أرجاء الروح قوس قزحٍ ملون، وبقايا فراشات لم يتعبها الرقص فوق النافذة.. ولم تتوقف عن مشاغبة الوقت!

منى كامل الأطرش 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار