الوحدة :20-10-2024
ليس بالأمس القريب.. لكن مع ظهور الهواتف الخلوية والمشغلين MTN وسيريتل، بدأت ظاهرة (هاتف للعموم) بالزوال وحُكم عليها بالموت التدريجي، علماً أنها كانت تتبع القطاع العام (الاتصالات) وحملت تلك الغُرف الصغيرة أسماء عديدة تميّز جودتها العالية ورشاقة التعامل بها.
المفارقة أن هذه الخدمة الهاتفية تم الاستغناء عنها بشكل فوضوي، في ظلّ الحاجة الماسّة لوجودها في الشوارع، كانت موجودة على شكل (حصّالات) حتّى داخل المحال التجارية، لكنها لا زالت قائمة وبقوة ضمن شوارع المجتمعات الأوروبية وبشكل محترم جداً وتتمتّع بخصوصية خالصة، فهم (الغرب) يقدّمون لنا الأحدث من تقانات النقّال، وكأننا مُكتفون ماديّاً، لكن كيانهم الاقتصادي يبقى معلّقاً في بوتقة الربح الناتج عنها ولو كان هامشياً. والأكثر من ذلك أن هناك قبولاً شعبياً غربياً بتلك الكوات، يظهر ذلك عبر المحافظة على هيكلها وغرفتها الزجاجية المريحة، كما أنها تظهر بواقعية ضمن سيناريوهات أفلامهم ومسلسلاتهم ومن خلالها تدور أغلب لحظات الآكشن والتشويق، يستخدمون بطاقات خاصّة لتلك الخدمة، كان لدينا شبيهاً لها بطاقات (شام) بأرقامها الطويلة.
والسؤال الذي يغيب كثيراً عن واقعنا العام، كيف تم تهميشها؟، هل أصبحت أوضاعنا الخدمية بما يخصّ الاتصالات أكثر تحديثاً وبراعة عبر أنظمة الخلوي؟ واقع الحال ينطق عكس ذلك، هذا بدوره يشكّل دافعاً كبيراً لإعادة العمل بتلك الخدمة شبه المجانية، بعد ثبات الفشل الخلوي في تقديم جودة الاتصال على كامل الجغرافيا المحلية على أقلّ تقدير .. فلماذا اختفت من شوارعنا ومن المسؤول عن ضياعها؟ وما الغاية من تهميش دورها المحوري في توسيع قاعدة خدمات الاتصالات؟ إننا مهملون للكثير من الحقائق ولا يمكننا التعامل على أكثر من جبهة واحدة، والأسف الأكبر أننا تُهنا وتفرعنّا على واقعنا حتّى داخل منازلنا، لنصل إلى حقيقية مؤلمة تؤكد أنّ الهواتف الأرضية أصبحت فقط للزينة، ولولا ملحقات البوابات الهاتفية لما تركنا مجالاً لوجودها، فما بالك من الكوات الشارعية فارغة المضمون، لكننا في ظلّ ما نواجه من مآسٍ بما يخصّ المشغلات الخلوية ريفاً ومدينة، لا بُد من العودة والاعتذار من تلك الكوات وأجهزتها الثقيلة، ولو كانت عودة متأخّرة، فقد بتنا بحاجة ماسّة لها، على الأقل كبار السن يُتقنون محبتها والتعامل مع فضائلها، ويمكن استخدامها عند الامتحانات؟!.
سليمان حسين