الوحدة :14-10-2024
يُعرّف اللون بأنه تأثير أو إحساس يصلنا عن طريق العين، ويعني سلامة تواصلنا مع الفضاء المحيط، وانعدام هذا التواصل هو دليل عمى أو اكتئاب شديد.
بمعنى آخر: الألوان دليل صحة وحياة، بهذه المقدمة استهلت الدكتورة سوسن الضرف محاضرتها القيّمة بعنوان: “الألوان من الأطياف الضوئية إلى العلاج النفسي” وذلك في مقر جمعية العاديات باللاذقية. ونظراً لأهمية المحاضرة نسلط الضوء على ما جاء فيها من أفكار ومضامين.
بداية تحدثت د. الضرف عن أصل الألوان وهو الضوء، وكل الألوان تتجمع في اللون الأبيض، أي إذا وُجِد الضوء وُجِدت الألوان. إضافة إلى تقسيم الألوان إلى فئتين: ألوان أساسية وألوان ثانوية مركبة، فإنها تُقَسّم أيضًا إلى ألوان دافئة (أحمر، أصفر، برتقالي) تُذَكّر بالنار والشمس، وألوان باردة (أزرق ، أخضر ، بنفسجي) تُذَكّر بالسماء والبحار.
لكن للألوان هذه أسرارها ومدلولاتها ومعانيها وتأثيراتها في حياة وعادات الشعوب منذ آلاف السنين، حيث استخدمه القُدماء في طلاء أماكن مقدسة وفي علاجات أسموها” العلاج بالضوء”، وبالفعل بدا هذا العلاج أسلوباً ناجعاً حتى يومنا هذا، فأصبح لدينا في عالم الطب النفسي ما يُسَمّى بسيكولوجية الألوان أو طب الألوان النفسي (Color Psychology).
وقالت د. الضرف: يُعتَبر هذا العلم علماً قائماً وفعالاً، لكنه لم يحظ حتى الآن بالتأييد الكامل، بل إن الكثير من المختصين يرفضون الاعتراف بجدواه وبنتائجه الإيجابية. لكن، أليس لكل شخص لونه المفضّل الذي يُحَفّزه ويساعده على بناء شخصيته؟ هناك ما يُسَمّى سيكولوجية الألوان أو طب الألوان النفسي(Color Psychology).
يؤكد كارل يونغ الباحث في علم النفس اللوني (أو علم الألوان النفسي) على تطوير لغةٍ أو شيفرة تكون رموزها ألواناً محددة لأن الألوان بالأصل لها مدلولاتها. كما أنشأ كلّ من فريديريك شيلر و غوته رسماً بيانياً ينتمي لعلم الألوان النفسي أسموه “وردة المزاج” يظهر فيه الاثني عشر لوناً مع المهن البشرية الملائمة وسماتها الشخصية التي قسّموها إلى أربعة مزاجات:
١- ألوان يُفضًلها الطغاة والمُغامرون (أحمر وبرتقالي وأصفر).
٢- ألوان يفضّلها العشاق والشعراء (أصفر وأخضر وسماوي).
٣- ألوان يُفضّلها المؤرّخون والمُتَحدّثون الرسميون (سماوي وأزرق وبنفسجي).
٤- ألوان يفضّلها العلماء والفلاسفة (بنفسجي وأحمر).
وحول أفضلية لون من بين الألوان عامةّ فقد أجرت صحيفة اندبندت عام ٢٠١٥ استطلاعاً كشفت من خلاله تفوّق اللون الأزرق وبالتحديد لون التوركواز.
برأي الدكتورة سلام عاشور المتخصصة النفسية، فإن هناك علاقة قوية بين الألوان والمشاعر والتصرفات، وبأن هذه العلاقة بالذات أفسحت المجال لظهور علم الألوان النفسي لأنها بالفعل تؤثّر بشكل جليّ على الحالة النفسية وعلى الأذواق وحتى على الإدراك.
كما ذهبت بعض الدراسات إلى أن الألوان تؤثّر على بعض الحالات المَرَضية حيث تُخَفّف الآلام إذا ما وُظّفت بشكل جيّد، فسيكولوجية الألوان تستهدف جزء اللاوعي عند الشخص، لكن لايمكننا إهمال اختلافات الثقافات والطباع والأعمار والتجارب، فلا يمكن أن يتفاعل الجميع مع الألوان بنفس الطريقة.
أما المستشارة وخبيرة الإيتيكيت الأردنية راما العساف فتقول بأن علم الألوان النفسي يُفسّر تماماً كيفيّة تفضيلنا للونٍ ما تبعاً لتجربة ما مررنا بها في الماضي أو لذكرياتٍ تُرافقنا.
وفي اليابان تم استخدام إضاءة باللون الأزرق في محطات النقل، فتبيّن انخفاض مستوى العنف بشكل واضح. كذلك في مجال التجارة والتسويق، فقد اعتمدت بعض الشركات الكُبرى ألواناً محددة في صُوَر إعلاناتها للترويج لبضاعتها إيماناً منها بأهمية تأثير الألوان على العقول وعلى ردود الأفعال.
وحتى في مجال علم الطاقة والجذب، فقد تمّ استغلال طاقة ألوان معيّنة لتحديدها كأداة جاذبة للمال والثروة كاللون الأحمر بشكل واسع ومنتشر، لأن أبرز الباحثين في قسم الانتروبولوجيا وعلم النفس في جامعة دورهام البريطانية أكّدوا على ارتباط اللون الأحمر بفكرة الهيمنة والسلطة والقوّة، لكن دراسات أُخرى صنفت أربعة ألوان جاذبة للطاقة الإيجابية بشكل عام وهي: الأصفر، الأزرق، الأبيض والبرتقالي.
و ختمت د. سوسن الضرف محاضرتها قائلة: حالياً يتم اعتماد الألوان كعلاجٍ حقيقي، وطريقة لتحسين بيئة المكان وشروطه بحيث يُحفّز على قوة وسهولة التواصل مع الذات (وأفضل مجال لذلك هو هندسة الديكور والهندسة الداخلية للبيوت). فكل شخص يميل لشحن طاقته ولتحسين صحته النفسية، والمعالجة بالألوان “موسوعة” ترقى للمعالجات الطبية، حيث من شأنها دعم الجهاز العصبي وبالتالي الوصول إلى مداواة الأجساد.
رفيده يونس أحمد