الوحدة: ٢٧-٩-٢٠٢٤
خلال هذا الشهر، ومنذ عدّة سنين مضت، كانت المدينة وأسواقها عبارة عن معارض مكتظّة مزيّنة بكافّة أنواع وألوان الزيتون البلدي القادم من أعالي الجبال وسفوح القرى البعيدة..
اليوم، كميات متواضعة من زيتون المونة (المرصوص) داخل الأسواق بعضها خالية الأرقام، لكن جميعها تصبّ عند حدود ال ٢٠ ألف ل.س، أمّا شقيقها الأسمر (العطّون) فتُعتبر كمياته خجولة أيضاً وهذا قياساً على سنين مضت، حيث تتراوح أسعاره عند ال ٢٥ ألف ل.س، ليدخل الزيتون إلى المضمار السريع بقوة جانب البطاطا، ضاربين جميع أسس التعايش مع صاحبهم الفقير.
في الأعوام السابقة كانت العائلات تضع في حساباتها ميزانية مقتدرة تمكّنها بكل جرأة من تموين كميات كبيرة وأنواع متعدّدة من الزيتون، روح الحياة، تتفنّن بتقديم تلك التشكيلة على الموائد، لكن على ما يبدو أن عدوى الأسعار المرتفعة لم تترك مادّة غذائية إلّا وتلاعبت بها، وهذا بدوره يقودنا إلى ضعف الطلب على الزيتون وكذلك العطون، غير أن بعض العائلات وحتى لا يمرّ الموسم عليهم مرور الكرام، فضّلت كميات صغيرة من الأخضر والأسود، تاركة التقنين الغذائي والمالي نحو مؤونتهم من الزيت البلدي، مع العلم أن الطقس السائد المتقلّب هو الآخر يلعب بخصائص الزيتون وجودته من ناحية تحضيره للمؤونة، لأن الري والأمطار الموسمية لا تناسب تلك العملية، بالإضافة إلى انتعاش يرقات الدود داخل ثمرة الزيتون. غير أن البعض ينتظر الأيام المُقبلة المُشمسة حتى يصبح الزيتون أكثر نضوجاً ويتخلّص من المياه التي لاحقت ثماره.
ومن جهة الاقتصاد العائلي، فإن هناك الكثير من العائلات التي تمتلك حيازات معقولة من أشجار الزيتون فضّلت التخلّي عن تحضير كميات كبيرة من مؤونة (الكبيس)، مرجعين ذلك إلى أن عملية العصر واستخراج الزيت، على حدّ زعمهم، أفضل وأوفر كثيراً لأوضاعهم الحياتية، لأن البدائل عن طعام السُفر الصباحية (المارقة) والتي تضم الزيتون كثيرة وعديدة ويمكن التعويض عبر بعض الحواضر وإزاحة الزيتون عنها، لكن الزيت البلدي الذي يدخل في الكثير من المعادلات بات يشبه ماء الحياة بالنسبة للعائلات التي تعتمد في معيشتها على رواتب هزيلة وقطعة أرض تضم بعض أشجار الزيتون.
سليمان حسين
تصفح المزيد..