النحات أحمد علاء الدين: يبــقى عــزف الــفنان منفرداً بلا دعــم إعـلامي

العدد: 9383

الثلاثاء9-7-2019

 

أحمد علاء الدين، فنان نحات بالفطرة، من مواليد اللاذقية بسنادا 1964، أعماله النحتية تصدم وتفاجئ الناظر إليها، بمستواها الفني العالي ولتتحدث عن نفسها، إذ يجمع كل من يرى هذه الأعمال على أن صانعها الملقب بـ (جرّاح الخشب) مبدعٌ حقيقيٌ أعماله تنطق أحاسيس وانفعالات وروحاً حقيقية، لا نراها عند كثر ممن تخرجوا من أكاديميات الفن وانتسبوا لنقاباته.
أحمد علاء الدين إثبات قاطع بأن الفنان هو موهبة فطرية خالصة تولد بالجينات، يصقلها الشخص إما بتعليمه الأكاديمي أو كعلاء الدين بجهدٍ وإصرارٍ، ومثابرة لإبراز مواهبه إلى العلا، كانت لنا زيارة للنحات في مرسمه حيث جلس يبدع تحت أغصان شجرة الليمون بأدواته البسيطة من مطرقة وإزميل، وطبعاً مشارطه الطبية اللا معدودة..
*أعمالك تخبر من يراها عنك، ولكن لمن لم ير أعمالك ماذا تقول؟
** أنا نحات من اللاذقية، لا أنتمي لأي مدرسة فنية، أعمالي كلها أعمال لمجسمات سيريالية من واقع الخيال، ولكنها جميعاً بسيطة عفوية تنقل مضامين عميقة عن الإنسان والحياة بعناصرها المختلفة المحسوسة وغير المحسوسة، أركز على العمق والفراغ لأعطي المنحوتة بعداً سداسياً.

* كيف كانت البداية إذن وأنت لم تدرس فن النحت فقط؟
** ككثيرين من الأشخاص الذين منعهم عملهم الوظيفي أو ظروف حياتهم، لتفريغ طاقتهم الفنية، كنت واحداً من أولئك الأشخاص الذين لم يسمح لهم لا وقتهم ولا أحوالهم بأن يكونوا ما يريدون، فمنذ ثلاثة عقود وأنا أحلم بفن النحت وخاصة أنا ابن بيئة بسنادا هذه المنطقة الشهيرة ببساتين الزيتون، البداية منذ زمن بعيد كما ذكرت، إذ جذبني التعامل مع خشب الزيتون هذا الخشب المقدس والمعمّر والمبارك، كنت أنحت خشبيات صغيرة كنت محكوماً بوقتي الضيق، إلى أن جاء الأوان المناسب وهنا صرت حراً وبدأت أزور
معارض نحتية أو فنية وأسأل وأتعرف وأتعلم وأزيد من خبرتي، ورحت أعمل بجهد ودأب ومثابرة وأحضر أعمالاً وأضعها جانباً، لتشاء الصدف أن ألتقي بالأستاذ (ياسر صبوح) مدير المركز الثقافي، الذي رأى أعمالي وأعجب بها، فكان أول معرض لي عام 2016 استضافته صالة مركز اللاذقية، وضم (50) عملاً وحمل عنوان (سورية الأم) أعمال روت عن الأزمة وتفاصيلها. كانت بداية جميلة وموفقة لأنها أتاحت للناس رؤية أعمالي التي فاجأت الكثيرين من أهل الفن والمهتمين، هذا المعرض كان عاملاً مشجعاً ومحفزاً لأضاعف جهودي ومخيلتي وإبداعي الدفين، ليكون معرضي الثاني (شمعة نصر) عام 2018، الذي روى بأعمال نحتية بوادر النصر التي تلوح بأفق سورية وحلول الأزمة، فكان معرضاً نوعياً ضم (50عملاً) أيضاً مختلفاً عن المعرض الأول وبأعمال جديدة تماماً أضافت ألقاً بنجاح من نوع جديد.

* وماذا عن واقع النحت في اللاذقية اليوم؟
** لا شك أن أهمية النحت اليوم زادت كثيراً عن الماضي، إن كان من قبل المتلقي، أو من قبل الفنان نفسه، فنرى اليوم كثيراً من الأسماء المعروفة والهامة في مجال النحت في اللاذقية، اللاذقية بيئة خصبة للفن، ولكن بنفس الوقت ليس كل من أمسك إزميلاً ومطرقة ومشرطاً، أو ريشة وألواناً فهو فنان.
الفن له خصوصيته ومؤهلاته وكفاءات صاحبه، وليس فهماً أو تعلّماً هذه المدرسة الواقعية أو التكعيبية أو السريالية، أو تقنيات النحت أو التجديد بالأساليب أو إدخال مفهوم هو من يصنع فناناً، الفنان هو من يعطي إحساساً للعمل، والإحساس هو الذي يعطي قيمة للعمل، مهما كنت متعلماً، إذ لم يكن هناك روح بالعمل فليس له قيمة، وهناك من اتجه بأعماله للمنحى التجاري، أو لغايات أخرى غير فنية، العمل بقيمته الفنية، أنا بعيد كل البعد عن هذا المنحى.
قد يأخذ التفكير يوماً أو يومين لفكرة عمل ما، ولكنها قد تستغرق شهوراً للتنفيذ فمثلاً عمل (الجوع) أخذ مني خمسة أشهر، المهم أن يكون الفنان قادراً أن يعطي عمله مدخلاً ومخرجاً، ولكن هناك من يعطيه مدخلاً ولكن من دون مخرج.
* ولماذا أغلب النحاتين اليوم اتخذوا من الخشب، على أنواعه، خامة لهم وابتعدوا عن الحجر، هل أصبح ذلك موضة اليوم؟ أم لأن الحجر أصعب في التعامل؟
** لا أبداً، أنا أرى أن التعامل مع الخشب أصعب من التعامل مع الحجر، لأن أي خطأ مع الخشب قد يفسد ملامح العمل بأكمله، ألياف الخشب الطولية والعرضية قد تفاجئ النحات وتخرب عمله، أيضاً التسوس في الخشب من الصعوبات التي تواجه النحات، الخشب يحتاج إلى معالجة من الخارج بزيت الزيتون وحرقه بالشمس ليقتل كل البيوض في الخشب، وبعد معالجته من الداخل تأتي المعالجة من الخارج بالسلر، ولكنه عندئذ يصبح تحفة فنية قد تعمر لـ 100 أو 500 سنة.

* وكيف تطور ذاتك الفنية في غياب النقد المتخصص؟
** موضوع النقد المتخصص لا شك أنه ضروري لتطوير مجالات عمل أي شخص ولكن للأسف، النقد اليوم هو مجرد آراء، قد يكون رأياً بناءً أو قد يكون رأياً لاذعاً يراد من خلاله ضرب الفنان أو إحباطه، أو تحجيمه، أغلب الآراء غير متخصصة، هي مجرد آراء في قراءة الأعمال النحتية، ولكل طريقته، اختلاف هذه الآراء والقراءات يساهم في خلق فكرة للفنان عن مستواه الفني عند المتلقي، وتحفزه على الأخذ ببعض هذه الآراء وتلافي السلبيات، ولكن كما ذكرت غالبية الآراء قد تكون لضرب الفنان، أو التسلق على كتفه.
* ماذا عن طموحاتك في ظل وجود أعمالك المميزة كماً ونوعاً؟
** الفن الحقيقي حلم وطموح، الحلم الفني بلا طموح لا يمكن أن يعيش، لذلك سأستمر بطموحي لكي ترى أعمالي جهات فنية ومؤسساتية فردية، أو جماعية، تقدر هذا الفن وتعي قيمته الفنية ليجوب صالات المعارض في العالم، وللتعريف به لأكبر كمية من المهتمين حول العالم العربي أو الغربي، ولابد أن يكون ذلك في يوم من الأيام.
للأسف لا يوجد اليوم الدعم الكافي المادي أو المعنوي من المؤسسات الثقافية، فالفنان لا يكفيه إقامة المعارض التي تعرف الآخر بفنه، بل يحتاج للترويج ليخرج من قوقعته المحلية، ويحتاج لدعم إعلامي أكبر في التعريف عليه وتخصيص وقت أكبر له إعلامياً، وإتاحة الفرصة له لإقامة أكبر عدد من المعارض، وخاصة للفنان المبدع الحقيقي المتمكن من أدواته الموهوب ليس بشهادته كمتعلم، بل الفنان المبتكر الذي لا يقلد ولا يحاول أن يعيش تجربة غيره ولا يستنسخ من غيره، يجب أن يكون هناك تبن لهذه النوعية من الفنانين. ويبقى عزف الفنان منفرداً وإبداعه متقوقعاً إن لم يلق دعماً إعلامياً كافياً.

مهى الشريقي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار