الوحدة : 20-8-2024
شارف فصل الصّيف على الانتهاء، وماتزال قرىً ومناطق عدة في ريف اللاذقية عطشى، لم تنعم أراضيها بقطرة ماء واحدة لا من السماء ولا من السدود ولا حتى من المياه الجوفية!!
مناشداتٌ واستغاثات كثيرة أطلقها فلاحو قرى ومناطق عدة وفي مقدمتها قرية قسمين والمزارع المحيطة بها، كذلك قرى ناحية البهلولية التي تتبع لها عشرات المزارع، حيث وجه المزارعون وعبر صفحات التواصل الاجتماعي نداءات استغاثة وكتباً رسمية وشفهية يناشدون فيها أصحاب القرار الرأفة والرحمة بحال مزروعاتهم ومحاصيلهم، وعلى رأسها موسم الحمضيات الذي أصبح مظهر أشجاره مبكٍ لشدة اصفرارها ويباسها وانكماشها وتساقط أوراقها و…
أراضٍ أكلها القحط والجفاف حتى تخالها صحراء مقفرة..
عناء وشقاء عشرات السنين وجنى العمر تُحرقه أشعة الشمس ويلتهمه قيظ الصيف وحرّه.. غير آبهين بعرق الجبين وكدّ اليمين.
فمع اقتراب انتهاء فصل الصيف شارفت دورة موسم الريّ على الانتهاء أيضاً، والتي لم ينعم بها إلا قلّة قليلة ممن ابتسمت لهم خطوط الريّ ووصلتهم مياهها، بينما عشرات إن لم نقل مئات العائلات حُرمت منها، ولا ندري هنا لمن نوجه أصابع الاتهام في هذا الظلم والإجحاف -المتعمّدين أحياناً- بحق هؤلاء المزارعين؟ حيث ترمي كل جهة بعاتق المسؤولية على كاهل سواها، مبرّئين ذممهم من مسؤوليتها، ضاربين عرض الحائط توسّلات الأهالي واستغاثاتهم، لتتحكم -النوايا والخفايا والمحسوبيات والواسطات وصلات القربى وذوي الأهل والجيران..- بفتح خطّ الريّ أو العنفات أو (السّكر) وإغلاقه وتعمّد تركه دون إصلاح مع كثرة أعطاله لغايات شخصية وثأرات عائلية ربّما… لتقع الفأس على رأس الفلاح الفقير وتضيع طاسته بينهم ويكون الخاسر الأكبر في هذه المعركة التي لم تنته جولاتها وصولاتها حتى لحظة كتابة هذه السطور… علماً أن المزارعين يدفعون ضريبة الريّ السنوية دون تأخير أو تأجيل أو هروب. ويتساءلون ما جدوى هذه الضريبة طالما حُرموا من مستحقاتهم المائية وتعويضاتهم الزراعية..؟.
معاناة حقيقية وصعوبات جمّة يواجهها أصحاب الأراضي لاسيّما ممن يقطنون في المدينة بعيدين عن أراضيهم، وما يتكبّدونه من عناء الذهاب بشكل شبه يومي إلى قراهم مع صعوبة المواصلات، والانتظار ساعات مطوّلة في أراضيهم وتحت أشعة الشمس الحارقة اللاهبة أو حتى ساعات متأخرة من الليل، وتعطيل أعمالهم وأشغالهم، على أمل ضخّ المياه ولو لساعات قليلة لكن دون جدوى..
ألا يكفي هؤلاء الفلاحين ما عانوه هذا العام من عواصف شتوية أودت بمحاصيلهم إلى الهلاك؟ عدا عمّا يتكبّدونه من تكاليف شراء الأسمدة وحراثة الأراضي ومكافحة الآفات الزراعية وسواها!.
فبأيّ ذنبٍ حُرمت آلاف الدونمات من حقّها الشرعي في ميراثها من مياه الريّ التي جادت بها السماء وطافت وفاضت هذا العام؟!.
نناشد عبر منبرنا هذا ونُعلي الصوت علّه يجد الصدى والآذان الصاغية، ونشدّ على أيادي أصحاب القرار وكل من له صلة بالمسؤولية عن وصول مياه الري لسقاية ما تبقّى مما قد تُكتب له النجاة من بقية المحاصيل، والتي تُنازع حتى الرمق الأخير للبقاء على قيد الحياة، اتخاذ إجراء إسعافي سريع وعاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لعلّ وعسى تدبّ الحياة في شرايين الأشجار وتورق أغصانها مبشّرة بكتابة عمر جديد لها، كما نطالب بمحاسبة المقصّرين والمهملين وكل مَن سوّلت لهم أنفسهم أذيّة البشر والشجر، فلو كانت لها أفواه ناطقة لأعلت الصوت مستغيثةً بإنصاف السماء وصلاة استسقاء على نيّة الخلاص والارتواء.
ريم جبيلي