رقــم العــدد 9380
الخميس 4 تمــــــــــــوز 2019
ارتبطت العيون الأثرية بالحياة الريفية وقد شكلت هذه العيون ولفترة طويلة إحدى المصادر المهمة لتأمين مياه الشرب والاستخدامات المنزلية الأخرى لسكان قرانا، وذلك قبل انتشار شبكات مياه الشرب الحديثة، كما ولا زالت هذه العيون مصدراً احتياطياً لتأمين المياه وخصوصاً في فترات انقطاع المياه الآتية من شبكات مؤسسات مياه الشرب ولا سيما في فترة الصيف إلا أن هذه العيون وفي ظلّ تراجع الاعتماد عليها نسبياً شهدت تراجعاً واضحاً بل واندثاراً ،ولم يبق منها إلا العدد القليل الذي يتعرض بدوره لشتى أنواع التعديات وكل ذلك في ظلّ غياب الحماية اللازمة له سواء من البلديات أو الموارد المائية وحتى من الآثار باعتبار أن البعض منها يتخذ صفة الأثري وذلك لقدمه وطبيعة تكوينه وعمرانه.
ومن القرى التي تحتوي على عدد من هذه العيون قريتي بابنا والقادسية التي تحتوي على العديد من هذه العيون التي تتخذ أسماءً شعبية محلية مثل عين سلامة وعين عتمان وعين عويجان وغيرها والتي تختزل الذاكرة الشعبية الكثير من القصص عن تاريخها وذكرياتها والتي بات لكل منها اليوم قصة مع الإهمال والتعدي من قبل السكان المحليين وكل ذلك في ظلّ غياب الدور الحمائي الذي يحافظ عليها كمصدر عام للمياه يجب أن يتاح للجميع دون استثناء أو عائق .فعين سلامة التي تتمتع ببناء لافت والتي كانت تشكل المصدر الأساسي لمياه شرب أهالي القادسية عبر مأخذين باتت في حالة يرثى لها لاسيما و أن المأخذ الأساسي بات غير صالح للاستخدام للشرب لوجود الشوائب الناجمة عن التعدي عن مسار نبعه الذي بات مكشوفاً ومعرضاً لمختلف أنواع الملوثات وذات الأمر للمأخذ الثاني الذي بات مغموراً بالطمي والوحل ومصدراً للروائح والحشرات دون أن تبادر أية جهة لمعالجة أوضاعه ولا يختلف وضع عين عويجان عن سابقتها لناحية تعرض واجهتها الأثرية للهدم بفعل الأمطار الغزيرة التي هطلت خلال هذا الموسم وانتشار الأعشاب الضارة التي باتت تغطيها وتحجبها عن من يريد الحصول على المياه منها
وحدها عين عتمان التي يعود زمن إقامتها إلى 1318 هجرية وذلك وفقاً للوحة الموجودة على مدخلها تبدو في حالة جيدة نسبياً حتى الآن ،وذلك ربما لبعدها ولعناية جوارها بها وهم الذين يستخدمونها لريّ مزروعاتهم وللحصول على مياه الشرب ولغير ذلك من الاستخدام و فيما بات مصير عيون أخرى مثل عين الجنكيل وعين الخربة و عين الست أقرب إلى الاندثار بفعل أشكال التعدي التي تعرضت لها. فإن الحال الذي وصلت إليه هذه العيون التي تحتوي منطقة الحفة وغيرها من المناطق على الكثير منه مدعاة للتساؤل عن سبب هذا الإهمال الذي تتعرض له وغياب الصيانة والعناية بها ليس حفاظاً على تاريخها الطويل بل على مياهها التي تهدر ليلاً ونهاراً أمام أنظار الجميع دون اتخاذ أية خطوة للحفاظ عليها في زمن تطالعنا فيه جهاتنا العامة المسؤولة عن مياهنا بالكثير من الإعلانات التي تؤكد على أهمية قطرة المياه وعلى ضرورة الحفاظ عليها لتبدو هذه الجهات مدعوة اليوم لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية هذه المصادر المائية ولا زالت أشكال التعدي التي تتعرض لها وللقيام بأعمال الصيانة اللازمة لها والتي تحافظ عليها من الاندثار والضياع بما يعنيه ذلك من خسارة لمصدر مائي مهم ولقيمة أثرية كبيرة ولا سيما إذا علمنا أن هذه العيون تشكل أهم المقاصد التي يزورها أيّ زائر لقرانا.. هي دعوة للفت النظر إلى هذه العيون علّها تلقى الاهتمام اللازم الذي يحافظ عليها ويعيد إليها الألق الذي رافقها على مدى عقود من الزمن.. فهل تجد هذه الدعوة من يستجيب لها ..؟؟ نأمل ذلك ؟!!
نعمان أصلان