العدد: 9380
4-7-2019
أسفرت الحرب الكونية التي تعرضت لها سورية إلى وقوع خسائر فادحة في البنى التحتية لكل مفاصل الحياة تبعتها خسائر نفسية واجتماعية أدت إلى تمزق النسيج المجتمعي وتفكك أوصاله..
الأستاذة ريم خضور الاختصاصية في علم النفس، استشارة أسرية قالت: سيطر الضياع والتناقض الهائل بين الخير والشر بين الصح والخطأ في المبادئ والقيم وسيطرت العدوانية والعنف، الحب والكراهية.
أكثر فئة تضررت هي الشباب، فالغالية العظمى تاهوا بين الحاضر والمستقبل ومنهم من خيمت عليه الأفكار بالسفر وفقدان الانتماء والتمسك والبقاء داخل البلد وكذلك الاعتكاف عن الزواج وعدم القدرة على تحمل المسؤولية. أما الأطفال وهم الشريحة الأضعف في المجتمع فقد عاشوا الخوف من الحرمان وفقدان الغوالي فسيطر عليهم العنف والعناد، فقدان الثقة والأمان، وللأهل دور كبير في تغيير سلوكياتهم وتحويلها إلى خاطئة وسيئة بإعطائهم كل ما يريدون فتشكل لديهم اضطراب نفسي وفرط نشاط وعدم توازن في شخصيتهم.
وماذا يمكنني أن أتحدث عن المرأة المخلوق الجميل ولكنها كانت الأقوى باعتبارها الأم والزوجة والأخت، تحملت دون تزمر أو اعتراض وتحلت بالقوة والجبروت وكانت القوة الداعمة في المجتمع، تعرضت للعدوانية والأنانية في النفوس والظلم من المجتمع ومن المرأة نفسها وخصوصاً زوجات الشهداء، ولكن رغم كل ذلك لا يمكننا أن ننكر أنه بداخلنا أشياء إيجابية ونحن أشخاص رائعون ولولا هذه القوة لما صمدنا، فلندع الشيء الجميل يرى النور ولتشرق شمس الحياة، ولنعش بحب ونتساعد ولنزرع الأمل والتفاؤل لنبني الجيل الجديد.
السيدة آمال أسد: إن ما تعرضت له سورية من حرب سخرت لها طاقات مادية وبشرية وإعلامية تكفي لإسقاط أكبر دول العالم، حرب طالت الحجر والشجر وحاولت قتل كل ما هو حي فيها، من خلال عملي التربوي كانت لي متابعات متواضعة لنتائج الحرب المنهجية التي انعكست على مجتمعنا بشكل عام وأطفالنا بشكل خاص في الشق الاجتماعي أدت إلى تشتت الأسر وانفصام الروابط الاجتماعية التي كانت الأسر السورية تفخر بها، والتهجير القسري أدى إلى شتات ضمن الأسرة الواحدة ناهيك عن الجرائم التي ارتكبت بحق القاصرات متمثلة بالزواج المبكر وظهور ظاهرة التسول والتسكع والسرقة، أما الكارثة الأكبر فقد تمثلت في الانهيار النفسي للأطفال والمراهقين ومن خلال متابعتي أستطيع القول: إن حالات العدوانية والإحباط والشعور بالخوف والقلق والكراهية قد طالت الأطفال والمراهقين بشكل خاص، لذلك كان لزاماً علينا العمل على تشكيل ورشات عمل نفسية مختصة وعلى أعلى المستويات لإعادة حالة التوازن والطمأنينة إلى نفوس الأطفال.
الشهيد الحي وعضو مجلس مدينة اللاذقية ثائر حسن قال: كانت خدمتي العسكرية في منطقة القلمون ببلدة قارة وكانت خزاناً للمسلحين، كانت سورية تعيش مرحلة مزدهرة اقتصادياً وتنموياً وفتحت آفاقاً كبيرة للاستثمارات الخارجية في كافة المجالات حتى أتت رياح الخريف لتعصف بها فكانت رياح الحرب والدمار والإرهاب.
للحديث عن الآثار النفسية والاجتماعية يجب أن نبدأ بالإنسان فهو الأساس، لقد تركت الأزمة سلبيات كثيرة فالطفل طالما شعر بالخوف والهلع وتعرض للأزمات النفسية كما تعرض بعضهم للخطف والتحرش الجنسي وفقدان الأهل والحرمان من التعليم وقلة التغذية وعدم توفر الدواء في بعض المناطق، كما أن للمرأة نصيبها فقد كانت ضحية للاعتداء والاغتصاب وبعضهن فقدن الأب والأم والزوج والأخ والابن فسيطر عليهن الاكتئاب والقلق والخوف من المصير المجهول، أما الشباب فقد انتشر بينهم العنف والانحطاط الأخلاقي والتوجه نحو السرقة والمخدرات وتشكيل العصابات، وهناك البعض من كانت ردة الفعل لديه ومن أهم الأثار السلبية على المجتمع ككل التفكك الأسري وانتشار الفساد والرشوة والبطالة وازدياد عدد القتلى والجرحى والمفقودين وانتشار ظاهرة النزوح الداخلي والخارجي وانعدام الثقة بين الناس، كما كان للعقوبات الاقتصادية التي فرضت أثراً كبيراً على المواطنين ومعيشتهم وخصوصاً على قطاع الطاقة والدواء ومع ظهور تجار الأزمة أصبح المجتمع يتألف من طبقتين الأغنياء وأمراء الحرب وطبقة الفقراء واختفت الطبقة الوسطى.
المرشدة النفسية إيمان توفيق حسن: تعد الأزمة الاجتماعية والنفسية التي خلقتها الحرب على الشعب السوري عقبة كبرى تخللت مسيرة حياتهم الطبيعية التي اعتادوا عليها.
أما بالنسبة للمجتمع في مدينة جبلة فقد انعكست عليها من جميع محاوره إذ تعاني من واقع معيشي صعب ففرضت مفردات خانقة توازي في عنفها عنف الحرب والبارود وأصبحوا بين مطرقة الواقع المعيشي وسندان أبسط متطلبات الحياة اليومية وأصبح هاجس تأمين لقمة العيش منغصاً يؤرق نومهم من ارتفاع الأسعار والتضخم السكاني وانتشار ظاهرة عمالة الأطفال وعدم إتمام تعليمهم، أما بالنسبة للطلاب في المدارس فقد اكتظت الصفوف بأعداد كبيرة نتيجة للطلاب الوافدين من المحافظات الأخرى مما ترك أثراً على سير العملية التعليمية وظهور بعض السلوكيات العدوانية في ألعاب الأطفال والطلاب فقد أصبحت ألعابهم تتسم بالعنف كتقليد حمل السلاح مما يشكل خللاً في السلوك اليومي وعدم القدرة على القيام بالنشاطات الاعتيادية وكثرة القلق والخوف والحذر الدائم.
وانطلاقاً من هذا الواقع وتحقيق الاستقرار النفسي والتعليمي لا بد من وجود مرشد نفسي اجتماعي في كل مدرسة يقدم الرعاية والدعم النفسي للطلاب بالشكل الذي يحقق لهم التوافق والتوازن والصحة النفسية الجيدة وتوفير بيئة آمنة وإعطائهم الفرصة للتعبير عن مشاعرهم والنفيس الانفعالي وتبديل مخاوفهم والمساندة النفسية للشعور بالأمان وبالتالي رفع المستوى التعليمي.
معينة أحمد جرعة