النفس الملحمي في شعر ريم البياتي الرمز والأسطورة “سفر بهلول السومري نموذجاً”

الوحدة :5-8-2024

استعرض الأديب منذر يحيى عيسى رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بطرطوس في محاضرته التي ألقاها بمقر الفرع نتاج الشاعرة يسرى رجب مصطفى المعروفة باسمها المستعار ريم البياتي وأسلوبها الخاص من (للغرباء والمنفى) المجموعة الشعرية الجديدة للشاعرة، والصادرة عن دار السرد للطباعة والنشر والتوزيع في بغداد عام 2022م، وذلك بعد مجموعات (هذيان الحطب) عام 2019م، وشوك السنابل 2020م، ومزامير الوجع عن الهيئة العامة السورية للكتاب، (لتلك الوجوه أصلي) عن اتحاد الكتاب العرب، كما أتت مجموعة (للغرباء والمنفى) التي ضمت أربعاً وعشرين قصيدة، تصدرتها قصيدة (سفر بهلول السومري) بنفس ملحمي قارب العشرين صفحة، متوقفاً عند هذه القصيدة من العنوان حيث فيه استدعاء مباشر للتاريخ، وبهلول وهو أبو وهب بهلول بن عمرو الصيرفي الهاشمي العباسي الكوفي، الذي كان شاعراً حكيماً وكاملاً في فنون الحكم والمعارف والآداب في زمن الخليفة العباسي (هارون الرشيد)، والذي تظاهر بالجنون كي يتخلص من متابعة الخلفاء العباسيين له بسبب ميلهِ الديني، و(سومر) حضارة الأقوام القديمة المعروفة في جنوب بلاد الرافدين، وهم من خرج بالبشرية فيما بين النهرين من طور الهمجية إلى عهد التمدُّن والحضارة، ويكفي اختراع (الدولاب) الذي أحدث ثورة عظيمة في وسائل النقل. فتقول: (بهلول عاد من زمانهِ / محملاً بالغيم والسنابل /من نجمةٍ/كهوفها ضياءٌ/وفي تخومها كخاتم العروسِ/يحيطُ قلبُ النبعِ بالجداول).. وبمتابعة القصيدة يحاول الرجل الحكيم الدعوة إلى تقبل الآخرين والإقبال على الحياة، حيث جعلته الشاعرة يلعب دور الحاوي الحامل في جرابه تجارب كثيرة وحكماً ورؤى، ك(ديوجين) الفيلسوف اليوناني الذي حمل مصباحه، ومشى في دروب أثينا باحثاً عن “الحقيقة” التي تاهت ومشتقاتها حيث الحق والعدل المنشود، فتقول الشاعرة ريم البياتي /بهلول يا (ديوجين)/ أتحمل المصباح، والنهار /يفيق ملء عين؟…/يا أيها السؤول /يا أيها المحبوس في غمامة/ تعاند الهول/ لفيفة الكتمان/في سرةِ البيان/وبينكم مصباحي القديم ينقب النهار عن إنسان/.

كما تستحضر الشاعرة الإله (الراعي) الذي كان ينافس تموز في حب عشتار /تفيق من سباتها عشتار/ ويغزل الراعي لها/ من أغنيات نايه/محابس النوار/ تجمعوا فأورق المكان/.

وتتابع بمشهدية جميلة استطاعت فيها حشد الكثير من رموز الأسطورة في حالة تشبه حالة الخلق الأولى وقيامة الأرض، بإيقاع محبب سلس جميل، وتعود لمخاطبة (بهلول) الرمز المحوري في القصيدة مشيرة إلى اكتمال دورة الحياة والتقاء نقطتين لتشكل الدائرة، وهي أكمل وأجمل الأشكال الهندسية مؤكدة على أهمية القطب والمركز في لعب دور الإشعاع الفكري، ودور الكلمة البدء ومكان النشأة الأولى، كما تؤكد الشاعرة على أنثوية الأرض.

ويلفت الأديب عيسى لقدرة الشاعرة على تكثيف الفكرة، وتلخيص حقيقة الحياة، ومسيرة الإنسان في رحلته من العدم إلى العدم، وإلى معاناة الإنسان في رحلته ومواجهته مع قوى الشر، وضياع الجهد المبذول للاستمرار، مشيراً إلى سعة اطلاع الشاعرة ورسوخ إيمانها بما تحمل من أفكار تصب في النهاية في القضايا الإنسانية، رابطة بين تجارب الماضي والحاضر دون الخوض في تفسير هذه التجارب، والاكتفاء بما هدفت إليه هذه الحكاية الأسطورة، فيما جاءت هذه القصيدة برؤية جديدة مختلفة عن الشعر الكلاسيكي وذلك باعتمادها على التفعيلة والبنية الشكلية الجديدة والإيقاع المختلف، والتنويع في القوافي ونظام السطر والمقطع الشعري.

 

ربى مقصود

تصفح المزيد..
آخر الأخبار