المكدوس والمصير المفقود

الوحدة:28-7-2024

بعيداً عن أحوال الطقس والسياسة والمهاترات اليومية المتواصلة حول الواقع الاقتصادي، والسُبل المنطقية في تأمين المياه وكذلك النسيان المفروض على واقع الكهرباء، حيث جرت العادة منذ عقد ونصف من الزمن، أن يكون هذا الشهر تحديداً يشبه ورشات العمل العائلية لتطبيق الّلمسات الأخيرة على تحضير مونة المكدوس، الجرعة المحببة عند غالبية العائلات، فقد أصاب هذه الصناعة المنزلية الصغيرة نكسة كبيرة وبات تأمين عبوة واحدة صاحبة ٢ كيلو فقط من المكدوس مغامرة خطيرة تدمّر المعاش وتحرق أنفاس أيامه المعدودة، ولن ندخل في تفاصيل تلك المعركة وجبهاتها السعرية، فيكفي أنّ المذاق الأوحد للمكدوس هو زيت وثوم وجوز وهم أسياد عالم الأسواق السعرية.
وهنا يتوقف الكلام ويبدأ الحديث عن الضرورات والمحظورات والقوائم الآخذة بالتنحّي، ويصبح الحزن على الماضي الجميل وأيامه البيضاء مباحاً، عندما كانت العائلات بالمجمل وخاصّة (فقراء الحال) تضع داخل مستودع المنزل صفوفاً متراصّة من المؤن، قوامها عدّة عبوات زجاجية تشبه الخوابي من المكدوس وأخرى من الزيتون وكذلك المربيات بأنواعها، بالإضافة لعدّة أنواع من الخضار اليابسة داخل سِلل قصبية معلّقة على السقف بعيداً عن متناول الحشرات، وهذه عندما كان هناك فقر أسود يسود الكثير من القرى البعيدة، لنكتشف أنّ تلك الأيام كانت ربيعاً ناصعاً بالمقارنة لما نحن عليه اليوم.
للتنويه .. كامل محتويات المستودع المنزلي ومنتجاته بما فيها المكدوس هو صناعة وزراعة منزلية، من جوز وزيت وباذنجان ومربيات التين والمشمش وأوراق العنب والملوخية، وكذلك، الخضار اليابسة من بامياء وبندورة ويقتين وغيرهم .. وبالتالي كان مستودع الفقير كونسروة مصغّرة تقف بصلابة أمام شبح الجوع والحاجة، كل ذلك بعيداً عن العنبر.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار