الوحدة 5-6-2024
على مدى أيام عديدة ذُهل العالم أجمع بمشاهدة شوارع المدن و الأرياف الإيرانية و هي تغصُّ بحشود مليونية من الشعب الإيراني بكل فئاته للمشاركة في واحد من أكبر مشاهد التشييع في تاريخ البشرية حيث احتشد الآباء والأمهات والأطفال، والكبار والصغار لساعات طويلة من الصباح حتى المساء بكل حب و اندفاع ذاتي، مالئين الشوارع والساحات والميادين في كافة المحافظات الإيرانية، يلبسون السواد حزناً وتأثراً على فراق رئيسهم وخادمهم، وخادم الإمام الرضا عليه السلام، سيد شهداء الواجب و شهداء الخدمة، الرئيس السيد إبراهيم رئيسي، الرئيس المتواضع، محبوب الفقراء والمحرومين، وحامل هموم الشعب، العالم الفقيه والمجاهد الشجاع، المخلص لوطنه، و الذي لا يعرف طعماً للراحة والهناء إلا وهو يقوم بخدمة أبناء شعبه، الإنسان اللبق الخلوق، صاحب الابتسامة الدائمة و الذكاء الوقَّاد و الثقافة العالية، وهو في نفس الوقت؛ السياسي المخضرم، والمقاوم الصلب العاشق لفلسطين، الذي أغدق على حركات المقاومة وخصوصاً المقاومة الفلسطينية كل أشكال الدعم والمساندة السياسية والعسكرية والإعلامية والمالية والمعنوية والدبلوماسية، ولم يبخل عليها بنقل الخبرات والتدريب لتطوير الإمكانيات على كافة الأصعدة، وكان المدافع الأقوى عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وهو الأب الروحي لأيتام غزة الذين كانوا يشغلون حيزاً كبيراً من عقله وقلبه حتى لحظاته الأخيرة.
لقد عرفه المواطنون الإيرانيون وأحبوه منذ أن كان مدعياً عاماً لمدينة كرج، حيث تسلسل في سلك القضاء حتى تولى منصب النائب الأول لرئيس السلطة القضائية منذ عام 2004 حتى 2014، ثم بات مدعياً عاماً لكل البلاد، وخلال هذه الفترة تم انتخابه أيضاً ليكون عضواً في مجلس الخبراء ممثلاً عن محافظة خراسان الرضوية، حيث شغل منصب النائب الأول لرئيس مجلس خبراء القيادة، وعيّنه قائد الثورة الاسلامية آية الله علي الخامنئي(حفظه الله)في عام 2016 رئيساً لمؤسسة العتبة الرضوية المقدسة، كما تولى رئاسة السلطة القضائية في إيران بين عامي 2019 و 2021 حيث فاز بالانتخابات الرئاسية في إيران، ليصبح بذلك الرئيس الإيراني الثامن المنتخب منذ تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وليس من الغريب أن يتعلق به أبناء الشعب الإيراني، ويحزنوا أشدَّ الحزن على فراقه، بسبب ما اجتمع في هذا الرجل العظيم من خصال حميدة ، وصفات جليلة، و أخلاق رفيعة، و خبرات عالية، قلما تجتمع في شخص واحد، مضافاً إليها أسلوبه الراقي ولباقته التي تأسر قلب كل من يعرفه عن قرب، وتفانيه وصدقه في خدمة أبناء شعبه، الأمر الذي جعل خبر استشهاده مع وزير خارجيته المحبوب وبقية رفاقه الأبرار يكسر قلوب الإيرانيين، و يجعلهم يذرفون الدموع الحارة على هذا المصاب الجلل والفاجعة الكبيرة.
لطالما رفع آية الله رئيسي شعارات محاربة الفقر، والدفاع عن الطبقات المهمشة مما جعله رئيساً محبوباً يتمتع بقاعدة شعبية واسعة، وتميزت شخصيته بالصفاء والطهر ومحبة الناس والوقوف الى جانب قضايا العرب والمسلمين وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، واشتهر بعلاقاته الطيبة مع معظم القادة والرؤساء والزعماء حول العالم، وكانت تربطه علاقات متميزة مع القيادات السورية، وعُرف بمواقفه الصلبة ودعمه اللامحدود للأشقاء السوريين حكومةً و شعباً، وقد بادله الشعب والقيادة في سورية الحب بالحب، والوفاء بالوفاء، حيث أعلن الحداد العام، ونكست الأعلام لمدة ثلاثة أيام، وامتلأت الشوارع والساحات العامة بصور الرئيس الشهيد، وأقيمت مجالس العزاء في شتى بقاع سورية.
و أود أن أقول لإخوتنا وأصدقائنا الذين آلمهم ما آلمنا، وأحزنهم ما أحزننا: صحيح بأن المصاب كبير، والحزن عميق، والجمهورية الإسلامية الإيرانية عمَّها الألم والأسى على استشهاد رئيسها ووزير خارجيتها وهذا الجمع المبارك من الشخصيات الكبيرة، ولكن و كما أكد السيد القائد الإمام الخامنئي (حفظه الله) أن ذلك لن يهزَّ إيران ولن يُربكها ولن يُضعفها، وستسير الأمور في البلاد بشكلها الطبيعي، لأن إيران دولة قوية ومتماسكة، يحكمها القانون وتديرها مؤسسات عريقة، و يسودها الدستور الذي يتضمن حلولاً لكل المشاكل التي قد تعترض عمل الحكومة والمؤسسات الرسمية في البلاد.
و في هذا المضمار فإنني أصالةً عن نفسي، ونيابةً عن الشعب الإيراني أتوجه بجزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى القيادات السياسية و الإدارية في محافظة اللاذقية و في جامعة تشرين، و إلى جميع السادة المسؤولين في المؤسسات والجهات الأمنية و العسكرية والدينية والثقافية و إلى كافة الأشقاء السوريين الذين قدّموا إلى المركز الثقافي الإيراني في اللاذقية بكل محبة وصدق لتقديم أخلص التعازي وأصدق المواساة باستشهاد هذه الكوكبة الجليلة من شهداء الواجب وعلى رأسهم آية الله السيد إبراهيم رئيسي رحمهم الله و أسكنهم فسيح جنانه.
الملحق الثقافي و مدير المركز الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في اللاذقية
أ. علي رضا فدوي