العدد: 9375
الخميس: 27-6-2019
من عباءة قانون الاستثمار رقم 10 انطلقت رحلة البولمانات في سورية، خطوط وحافلات بألوان زاهية، تغري الناظر إليها، كي يسافر على متنها إلى أي مكان، بولمانات تنسينا مرحلة (الهوب هوب)، التي كانت تجربة نقل خدمية شعبية ستبقى حتماً في الذاكرة، رغم قرقعة باصاتها، والمطر الذي يدلف فوق رأسك، أو الهواء الثلجي الذي يتدفق من مئة شق وشق، يجعل الراكب المسكين يرقص وهو في مقعده..
وبطفولة نسأل: ماذا لو لم تكن هناك أيّ واسطة نقل إطلاقاً، يعني مثل أيام زمان؟ كيف كان لنا أن ننتقل من مدينة لمدينة ومن دولة إلى دولة..
نعود للبولمانات، التي إلى جانب أشقائها وشقيقاتها (الشاحنة- القاطرة والمقطورة- السرافيس – التكاسي- الفانات- ..وسواها ) تشكل شريان حياة في البلد، وهذه حقيقة..
والحقيقة المشرقة والمبشرة أنّ الطرقات والأوتوسترادات عادت لتضج بالحياة، بفضل بسالة جنود الجيش العربي السوري، مع الأمل في إعادة كل شبر وكل طريق وكل منطقة، من ربوع سورية الكرامة والصمود، وفي مقدمتها الطريق إلى إدلب والحسكة والقامشلي..
مرة أخرى نعود للبولمانات، وللكراجات، والتي شهدت مؤخراً عودة كراج بولمانات دمشق إلى سابق عهده، بعد إعادة حرستا لحضن الوطن.
ندخل كراج اللاذقية، الحركة مقبولة، 3 بولمانات كانت تستعد للانطلاق، نسأل: يأتي الجواب أن الحركة عادية، وفي اليوم لا يغادر أكثر من 1500 راكب، عكس الأيام التي سبقت الأحداث، الذين يسافرون الآن عساكر ومرضى ومن يريد متابعة قضية ضرورية في دائرة حكومية بدمشق، هؤلاء هم الذين يسافرون حالياً، أما من قبل فكان الجميع يسافر، هؤلاء الذين ذكرناهم سابقاً وغيرهم كثير، الجميع ينطلق لحضور معرض، لمهرجان، للسياحة في أي منطقة سياحية وكان (كلشي رخص)، بعشرة آلاف تعمل رحلة أنت وعائلتك، وواسطة نقلك المفضلة (البولمان) المريح والمكيّف..
صاحب شركة فيها 10 بولمانات قال: الحركة خفيفة وشبه خاسرة، هناك رحلات لا يكون فيها 8 ركاب، وعندنا شهران بالسنة فقط تمشي فيها الأمور، وما تبقى تكون خفيفة، وكلفة كل بولمان كلفة عالية، ضرائب وترسيم وتأمين وضرائب أخرى تدفع مليونين أو ثلاثة بالسنة، يقابلها ضعف حركة بالركاب، إضافة إلى منافسين لك على الخط، القطار يؤثر، وأيضاً التكاسي والفانات، عدا عن الإصلاحات: تنزيل المحرك يكلفك 5 ملايين، الدولاب الواحد سعره 190 ألف ليرة، غير ذلك أنت تضع مبلغاً مالياً كبيراً تستثمره في هذا البولمان، حالياً أقل بولمان صيني سعره 58 مليوناً، ويصل إلى 200 مليون ليرة، طيب هل مردود البولمان الذي يصعد فيه 8 ركاب، بالإذن منك، يعطيك الربح المأمول من هكذا استثمار؟
مدير مكتب، أضاف أن هناك مؤشرات مبشرة، حيث عدنا للسفر ليلاً، وعلى مدار الساعة، وهذا الكلام يعود لسنة ونصف تقريباً، أما قبل ذلك فكنا نسيّر رحلة نهارية فقط، والكراج الساعة 4 أو 5 بعد الظهر يصفر صفيراً، لا أحد يتحرك..
آخر قال: كنا قبل الأحداث، وبالتعاون مع السياحة ننظم رحلات لمجموعات سياحية، قادمة من دول أوروبية ومن روسية، ومن دول كثيرة، يزورون عشرات المواقع الأثرية والسياحية في كل أنحاء سورية، هذه الحالة متوقفة منذ 8 سنوات..
صاحب شركة اقترح بأنْ تنظم حركة سير (الفانات)، وأن يكون لهم كراج انطلاق مخصص، كي تساهم هذه الفانات التي يصل عددها إلى 500 في اللاذقية، إلى جانب البولمانات في تأمين نقل الركاب..
سائق يحمل إجازة في اللغة العربية قال: صدقني همّ السائق الأول هو أن يكون الراكب بخير، وأن يصل بركابه وحافلته إلى برّ الأمان،عملنا مسؤولية، أرواح 50 إنساناً بأيدينا، وبأية سهوة أو غفلة، لا سمح الله، يتغير مجرى الرحلة..
في الأحداث هناك سائقون تعرضوا لمخاطر الطرقات والقنص، من قبل المسلحين، عدا عن ذلك، السفر في كل فصل له معاناته، وخصوصاً أيام الشتاء والجليد والضباب والعواصف، والطرقات التي تصبح وكأنها مغطاة بصابون، (يزحلط) الدواليب..
عن التأمين قالوا: إن التأمين هو إلزامي، بموجب قانون الاستثمار رقم 10، والكل مؤمن عليه، من سائق وراكب وحافلة، أحد السائقين لفت أنّ البعض غير مؤمن عليه لأسباب أو لمصلحة معينة!
في أحد المكاتب بالكراج سألت: يا ترى كم عدد البولمانات في القطر؟ أحدُهم قال: (والله فيْ شيْ مليون)، آخر قال: لا، عددهم بحدود 200 ألف، آخر قال: الرقم الدقيق يكون في وزارة النقل، وأياً كان عدد البولمانات وأساطيلها، كانت الأمنية أنْ تعود الدواليب للحركة والانطلاق إلى أربع جهات الوطن، تنقل الناس ونشاط الناس وفرح الناس على مدار الساعة..
لم نتحدث عن الاستراحات التي تنتشر على منتصف الطريق بين دمشق واللاذقية، حيث يوجد أكثر من 10 استراحات تنتظر رزقها من الحافلات والركاب، وإن كان أسعار بعضها بدرجة سياحية، ولم نتحدث عن دلال السائقين لدى هذه الاستراحات، ولا عن الدلال الذي كان يشعر به الراكب أيام زمان، حين كانت ضيافته جيدة: سندويشة وشراباً ساخناً وحبة مربى وجريدة، كي يقرأها، وفيلماً سينمائياً، يعرض عادل إمام ومحمود ياسين ونجلاء فتحي وأغاني صباح فخري.. لم نتحدث عن الكراجات، التي نتمنى أنْ تستوعب حركة الحافلات والناس، براحة كاملة، ولا عن الوشيشة وأصواتهم، التي تنادي على الركاب، وتغريهم بقطع تذكرة، ولا عن تدخل البعض في سير عمل الكراج ورحلاته..
نأمل لهذا القطاع الاستثماري والتجاري والسياحي والحياتي الهام، كل الخير والازدهار والشفافية في العمل، مع مزيد من مبادرات خلاقة ومبتكرة، تغنيه وتجعله مفخرة وطنية، نعتز بها ونشمخ..
جورج إبراهيم شويط