الوحدة 18-3-2024
في الوقت الذي عملت الطبيعة على إنشاء صناعة سياحية خاصّة، عبر ما يتشكّل من تجاويف ومغاور وكذلك كُهوف وشلّالات وينابيع غاية بالإبداع والفن الطبيعي، تعتكف الكثير من المجتمعات على استثمار هذه المواقع، نظراً لما تحصد من إقبال وجذب سياحي يوازي مشاريع استثمارية ضخمة من ناحية الدخل المادي الذي يرفُد القطاع السياحي .. وفي أريافنا الجبلية تكاد لا تخلو قرية أو مزرعة من مغارة أو كهف صمّمته الطبيعة ليقدّم نكهة أخرى تُضاف إلى الواقع السياحي الذي ينتظر التدخّل الفوري وتقديمه للعلن، وهذا بدوره يحتاج لعملٍ مطولٍ عبر الإعلان والترويج لكسب الشهرة وصولاً للاستثمار.
لكن يبدو أننا لم نصل بعد إلى استراتيجية حقيقية تضع جُملة الكنوز والأوابد التي منحتنا الطبيعة مفاتيحها الشرعية للنهوض بالواقع السياحي الذي ينقلب في بعض الأحيان بؤساً ووبالاً كارثياً.
وللعام الثاني على التوالي يصيب منطقة الدريكيش وريفها الجميل نكبات ومصائب تلازم حياة أبنائها فتشكّل سدّاً واقعياً بوجه سياحتها الباحثة عن العودة إلى مكانها الرسمي، بدءاً من وباء الكورونا وما أُشيع عن تلوّث المياه، ومؤخراً قضية مغارة الدلبة ووفاة الشاب قيس، فكانت المغارة التي تسبّبت برحيله ضمن إحدى المعالم السياحية التي تشتهر بها المنطقة إلى جانب العديد من مثيلاتها كمغارة بيت الوادي والضوايات وغيرهما .. وهذه الأحداث من شأنها أن تنوب عن العصي التي توضع في عجلات التطور السياحي وعودة الخارطة السياحية التي كانت تتربّع الدريكيش على قائمتها ثمانينات القرن الماضي، وأغلب هذه الأضطرابات ترجع إلى ضعف الدعم في الوحدات الإدارية الموزّعة على المناطق، فهيكلة وتنظيم أي معلم سياحي يحتاج إلى الكثير من الإمكانيات المادية من عناية وتأمين وحماية وتعريف بالمكان لوضعه على قائمة الصناعة والجذب السياحي، ومغارة جعيتا في لبنان الجار خير دليل على أهمية المواقع السياحية من ناحية العائدية المادية وتشغيل الأيدي العاملة، فهي تُدر دخلاً سياحياً مهماً للخزينة السياحية نتيجة الإقبال والأهمية التسويقية لها، (فهل يُعقل أن تكون مغارة سياحية كطريق إلى الكسب المادّي وأخرى تؤدي إلى الموت).
وفي نهاية المطاف، إن وجود الزيبلاين والتلفريك ورياضة التزلّج وغيرهم لا يُغني عن أهمية المواقع السياحية التي شكّلتها عوامل الطبيعة، وكل ذلك بحاجة قصوى لتسويق وإعلان وتعريف بالمواقع عبر الملتقيات السياحية والندوات التسويقية وتأمين المكان في كافة الفصول، لأن السياحة الشتوية لها روّادها ومحبوها وهي مرتبطة كلياً بالواقع السياحي في كافّة الفصول.
سليمان حسين