المهندسون الزراعيون وسياسة الخروج من الأزمات

الوحدة:3-3-2024

منذ عدّة سنوات خلت، شهد مجتمعنا بكافّة شرائحه، صراعاً وسباقاً محموماً – ولا زال – لامتلاك ذلك الدفتر الغامق (جواز السفر) وأصبح الهدف الأسمى للكبير والصغير، فمنهم من استطاع إليه بأبسط الأحوال ومنهم من تصرّف ببيع ما يمتلك في ذلك السبيل، فقد خرجت الأعداد الكبيرة من الكفاءات العلمية، جلّها من المهندسين بفروعهم العديدة، وأصبح الوضع العام يشبه التفريغ الداخلي من هؤلاء، وكل ذلك بسبب الضائقة الحياتية وصعوبة الاستمرار، ناهيك عن إطباق الحصار وتشديد العقوبات الظالمة على كل مكوّنات البلاد لنصبح بقوة الواقع (كمُستهلِكين) فقط.
وكما يُقال، رّب ضارّة نافعة، فهذه تنطبق على أوضاعنا كبلد اجتمعت عليه أصناف كثيرة من الضغوط، وبالتالي الجمود المتنقّل على جميع الجبهات الحياتية المرتبطة بعمليات الاستيراد وأدواتها الحياتية، باستثناء روح الحياة العملية المتمثّلة بالزراعة ومتمّماتها، ولم يبق بالإمكان سوى البحث عن صنّاع المجتمع (العملي) الذي يناسب واقعنا العام من خريجي الهندسات الزراعية، أبناء الأرض، الذين يقع على عاتقهم تطوّر المجتمع الزراعي بكافة جوانبه، فهم كباقي الفروع العلمية الأخرى، تلقّوا علومهم الزراعية داخل جامعات القطر ووضعوا كامل خبراتهم العملية في هذا المجال وتفنّنوا بميادين المختبرات والمطابخ الفنيّة، عبر استنباط وتحسين الأصناف والسلالات التي تناسب كل شبر من تضاريس البلاد، ففي ثمانينيات القرن الماضي، أطبق الغرب حصاره الجائر على بلادنا، حيث تمّت المواجهة الواقعية عبر تطبيق سياسة العمل الزراعي والاكتفاء الذاتي، وتسخير كافة الإمكانيات للنهوض بهذا الواقع الزراعي، مع توفّر أرضية جاهزة لخوض هذا الغمار، من سُدود وسدّات مائية، وكامل التجهيزات الفنية لخوض الامتحان الأكبر، فكانت النتائج مبهرة، وضعت اقتصاد البلاد في مصافي الدول الزراعية، وأصبحنا نمتلك عدّة سِلل غذائية وحجزت لنفسها مكاناً مهماً في الأسواق الخارحية.
وهذا يقودنا مجدّداً إلى مربط الخيل .. العودة إلى واقعنا الزراعي، والبحث عن الطاقم المهني الكبير من المهندسين الزراعيين ذوي الكفاءات المشهود لها، الذين لم يجدوا فُرصهم في (الخارج العربي) غير الزراعي، والقيام بحملات واسعة لإعادة رسم خارطة مضادّة تواجه الصعوبات الحياتية، المتمثّلة بتأمين الغذاء لبلد زراعي بامتياز، عبر توزيع المساحات الزراعية الشاسعة في كافّة المناطق، والمساعدة على توفير أدوات النهوض وتأمينها، ووضع خارطة طريق حقيقية على المناطق التي طالتها الحرائق وكذلك البوادي الصحراوية ، والعمل على استخدام مبدأ المنافسة الشريفة بين أصحاب هذه الحيازات لتقديم المُنتج الأفضل، والاعتماد على الأصناف الزراعية الصناعية المحلية التي تدرّ الدخل الذي نحن بحاجة إليه ويقينا شرّ العوز، وهذه التقنيات الحضارية اعتمدتها غالبية الدول الغربية، ذائعة السيط في استخدام الأساليب الزراعية والزراعية الصناعية، فأصبحت على سُلم الترتيب العالمي من حيث الإنتاج الزراعي والحيواني المتآخي، البعيدة جداً عن أزمات الاقتصاد وتبعاتها الخطيرة.

سليمان حسين

تصفح المزيد..
آخر الأخبار