الوحدة:22-2-2024
مناهل الثقافة كثيرة.. نجدها في الكتب شعراً ونثراً وقصّة ورواية.. وفي الموسيقا والفنّ التشكيلي والتمثيل والرقص والغناء، تتجسد الثقافة أيضاً، في سلامة الأذن، وحسن الرؤية، وقدرة العقل على ترجمة ما يراه أو قد يسمعه، بشكل صحيح.
في ستينيات القرن الماضي اقتحم التلفاز حياة السوريين، واقتنص أوقاتهم، وصرفهم عن بعض أشغالهم وأعمالهم الاعتيادية، كذلك حال السينما التي تعد أحد مناهل الثقافة، وكانت دُورها محجّاً لكثيرين، على اختلاف اهتماماتهم ومشاربهم ومنابتهم.. وقد كانت لها طقوس عرضٍ خاصة سواء فيما يخصّ مواقيتها أو مضامينها أو عناوينها أو أبطالها..
فالصالات كانت ملأى بالنّخب وأبناء الذوات الذين تفوح منهم أرقى العطور وتملأ الصالة.. هندامهم ومقتنياتهم تدلّك لأي فئة ينتمون..
هذه الصالات التي مُنع تحويلها إلى أماكن تجارية وسواها بوصفها أحد مراكز الإشعاع الثقافي – وفق الغاية التي بُنيت لأجلها آنذاك – أغلقت أبوابها واحدة تلو الأخرى، لأسباب نجهل معظمها، ولم يتبقَّ منها سوى اثنتين أو ثلاث في مدينة اللاذقية على سبيل المثال، ولعلّ سينما الكندي التي استعادت ألقها وأطلقت عروضاً أولى لأفلام عدة بحضور أبطالها ومخرجيها أكثرها نشاطاً وحضوراً على الساحة السينمائية – اللاذقانية.
تساؤلات عدة نطرحها عن أسباب إغلاق بقية الصالات ودور العرض؟ فأصحابها يتذرّعون بارتفاع تكاليف تشغيل آلات العرض بسبب ارتفاع أسعار المحروقات اللازمة لتشغيل المولّدات في ظلّ غياب الكهرباء، إضافة إلى الرسوم والضرائب الكبيرتين.. أما عشّاق الفنّ السابع فحُججهم ضيق الوقت، وغياب الأفلام الجيدة، وإمكانية مشاهدة الأفلام من منازلهم بعد تحميلها على جوالاتهم وحضورها دون تكلّف عناء الذهاب والحضور..
أصحاب دور العرض ومتذوّقو السينما كلاهما محقّان، لكن لا يجوز أن نلغي السينما من حياتنا، فهي إحدى وسائل التسلية والترفيه والتثقيف الاجتماعي، ولابدّ من إعادتها إلى الواجهة الثقافية، دون أن نغفل الجهود المستمرة للعاملين في المراكز الثقافية لعرض أجدد وأقوى الأفلام المحلية وخاصة ما يحصد منها جوائز عربية وعالمية، إضافة إلى حرصهم على استضافة نجومها وأبطالها، في محاولة مستمرة ودؤوبة للحفاظ على سينمانا من النسيان والضياع.
أخيراً يمكننا القول إن إعادة تأهيل دور السينما في اللاذقية، التي أغلقت أبوابها تحديداً، والسماح باستيراد أفلام جيدة، إضافة إلى تخفيض الرسوم المترتبة على أصحاب دور السينما، وتعزيز ثقافة ارتياد السينما، فإننا بذلك نستثمر موقعاً نظيفاً من مواقع الثقافة في بلدنا وفاكهةً ثقافية منسيّة، لا سلبيات لها، مع يقيننا أن من يستورد الأفلام سيضع نصب عينيه طبيعة مجتمعنا وأهواءه، وحرصه على أُسره وشبابه كما حرصه على أسرته الخاصة بالدرجة الأولى.
ريم جبيلي