الوحدة :5-2-2024
السادس من شباط لعام ٢٠٢٣، في بدايات ذلك الصباح المُرعب، الغالبية في استيقاظ قسري بسبب قساوة تلك الّلحظات الماطرة، لم تكن النوافذ تقدّم للناظرين سوى مشاهد توحي بالغضب السماوي، لمع وبرق متواصل يُظهر حالة غريبة في الخارج، تُشبه النهار المجهول توحي بأشياء عظيمة، هي مشاهد لم تكن تشبه حالات الصباح أو الّليل، خصوصاً عندما بدأت الاهتزازات تدكّ أركان الأبنية تُحرّك كل شيء، وخلال تلك الّلحظات انتاب العقول شريط طويل من الخوف، بات الجميع على دراية بأن النهاية حتمية خلال الثواني القادمة، ومهما تعاظم الشّرح والإسهاب به فالوصف تائه والحالة من غير الواقع وليست صنيعته، بدأت الأصوات والاستغاثات القادمة من الخارج تضع داخل النفوس رعباً على رُعب، أصوات تكسير وتحطّم من كل حدبٍ وصوب، ولا زالت الجدران والأسقف مستمرّة بمحاولات السقوط، يترافق مع أصوات دمار وتحطّم يخرج من باطن الأرض يصعُب وصفه، وهنا بدأت آيات تسليم النفوس لباريها والاستكانة للقدر، إلى أن هدأ الضجيج العظيم لما قارب الدقيقة الجهنمية، وبالّلاشعور بدأت الانسحابات والهروب السريع إلى الخارج، كلّ كما كان نائماً، فوضى عارمة في الشوارع، إطلاق نار كثيف بين التجمعات بقصد الاستيقاظ ومغادرة المنازل، مشاهد الرُّعب على وجوه الجميع، مع الشعور مجدّداً بعودة الاهتزاز الذي كان واضحاً من خلال الكابلات والأشياء المعلّقة التي تتأرجح بقسوة بالتزامن مع وابل من الأمطار المرافقة، وفي هذه الأثناء بدأت موجات الاتصالات، لتُأكّد وقوع المحظور وسقوط عدد من الأبنية، أصوات سيارات الإسعاف بدأت تجوب المدينة، أنباء متتالية عن انهدامات وسقوط أبنية في أماكن جديدة، والأمطار الغزيرة تغسل الأرض بقسوة، وبعد لحظات متتالية عصيبة يكتشف الجميع أنّ المنطقة وقعت تحت هول زلزال مدمّر، وهذا لم يكن بحسبان أحد، لأن بعض الهزات الأرضية التي سبقت الزلزال بأيام كانت قد قدّمت عنواناً ومفهوماً بأن ما حدث هو هزة أرضية عنيفة وليست زلزالاً، وبعد لحظات عصيبة وصعوبة بالاتصالات، تتكشّف الأمور خارج المحافظة، لتعود مجدّداً موجات أخرى من المكالمات الخارجية بضرورة إخلاء المناطق، لأن الزلزال المُدمّر أصاب اللاذقية وأجزاء من حلب وتركّز في بعض المدن الحدودية التركية، وسينتج عنه هزّات ارتدادية قد تكون عنيفة على المباني، هذا الشريط السريع من الذعر الجماعي لم يكلّمنا عنه أحد، لا آباء ولا أجداد، ولم يُنسج عنه قِصص وحكايا قديمة، لكن قُدّر لنا أن ندخل التاريخ من الباب الحزين، ستكون أيامنا علامة فارقة لأجيال وأجيال، ستسجّل الكُتب كل شيء، كما قرأنا التاريخ وأحداثه، لكن نتمنّى أن لا يدخل كُل شيء، لأن الأحداث التي رافقت الزلزال على جميع المستويات لم تشفع لنا.
وعلى المستوى الخارجي، فُتحت المطارات أمام المُسعفين والمساعدات، وعلى ضغط الحالة الأخلاقية والتدخّل الإنساني، انهارت جزئياً تفاصيل العقوبات الظالمة المفروضة، فشاركت العديد من الهيئات والمنظمات الدولية في عمليات الإسعاف والبحث وإزالة الأنقاض، وعلى المستوى الداخلي، ظهرت المعادن الأصيلة، وتكسّرت الحواجز التي صنعتها ظُروف الحرب، وباتت الطُرق إلى المناطق المنكوبة تشبه السيول وخطوط النمل، مساعدات ومكرُمات إنسانية أخوية من كل حدْبٍ وصوب، من جميع البقاع السورية الملوّنة.
والآن ونحن على أعتاب تلك الذكرى الأسطورية، هل كنّا على قدر فظاعة الحدث وجبروته؟!، وبعد عام منه، هل نحن على قناعة بما أنجزنا على مستوى الإيواء وتعويض المتهدم والآيل للسقوط من المباني؟ على ما يبدو ومع تسارع الأيام كل شيء بات خجولاً، لم يتحقّق على أرض الواقع أي شيء يقدّم نفسه من الحلول السريعة والإسعافية وإنه من تداعيات الزلزال، إلّا بعض التعويضات الناتجة عن معطيات لجان السلامة وغيرها، وكذلك ظهور بعض الأبنية مسبقة الصنع التي لم تدخل حيّز الاستخدام حتّى الآن .. ينذكر وما ينعاد.
سليمان حسين