الوحدة:1-2-2024
رسمت تخبطات صناع القرار في وزارة التربية مشهداً قاتماً في وجه طلاب الشهادة الثانوية،
وباتت قرارات الوزارة الكريمة تشكل كابوساً لأبنائنا الذين تحولوا إلى “دُمىً” و”ربوتات” تدور في فلك حقول تجارب الوزارة المعنية..
ما ساقنا لهذه المقدمة هو تراجع وزارة التربية عن قرارها الأخير بأتمتة أسئلة الشهادة الثانوية، ضاربة عرض الحائط بتداعيات القرار الأول، وما سببه من ضغط نفسيّ كبير ضاعف حالة القلق والتوتر وحرق أعصاب الأهل وأبنائهم، وشكّل عبئاً مادياً إضافياً، عدا عن التشتّت والضياع والإحباط المرافقين لهم ولمدة تزيد عن شهرين!.
قرار التراجع هذا جاء على إثر التجربة المحبطة للأسئلة المؤتمتة في مادتي الرياضيات والفلسفة أثناء الامتحان الفصلي لطلاب الشهادة الثانوية، وما خلفته تلك الأسئلة المعقدة من ضجيج ومناشدات عدّة عبر كتب رسمية خاطبت من خلالها مديريات التربية -في غير محافظة- وزارتها بضرورة التريّث في تطبيقه هذا العام، مع رفع الملاحظات والصعوبات التي واجهها الطلاب… خاصة ما يتعلّق بمدّة الامتحان وعدم كفايتها لحلّ النماذج، إضافةً إلى صعوبتها وعدم مراعاتها الاختلافات والفوارق في المستويات العلمية والعقلية للطلاب وغيرها من الملاحظات، وأهمها عدم وجود بنك معلومات للأسئلة المؤتمتة، مما جعل نسبة النجاح في بعض المواد شبه معدومة – كما سرّبها بعض مصحّحي النماذج-، حتى المدرّسين أصابهم الذهول والدهشة من صعوبتها!؟
لكن هذه المرّة كانت الاستجابة متخبّطة إلى حدّ ما، وتمّ تأجيل تنفيذ القرار إلى دورة العام المقبل، ما يتيح للطلاب مزيداً من التدريب والتمرين والاطلاع على مختلف النماذج الامتحانية المقترحة وفق مسارٍ زمنيّ مريح غير ضاغط، ما أحدث حالةً من الارتياح وردود الفعل الإيجابية لاتخاذ هذا القرار وفق مصلحة الطلاب ومراعاة الرأي العام والتجاوب معه..
حيث نصّ القرار على أنّ مجلس الوزراء يوافق على مقترح وزارة التربية بتطبيق نهج الامتحانات المؤتمتة للشهادة الثانوية بدءاً من العام الدراسي المقبل (2024-2025) وبشكل متدرج، والاستمرار باعتماد النهج التقليدي المقالي في امتحانات الشهادة الثانوية للعام الدراسي الحالي 2023-2024.
من ناحيةٍ.. القرار سليمٌ وصحّي وصائب مئة بالمئة، لكنه من ناحية أخرى أضاع على الطلاب نحو شهرين من الدراسة والتحضير والتدريب المتواصلين على النماذج المؤتمتة وذهابها سُدىً، وهي مدة ثمينة جداً على طالب الشهادة الثانوية الذي يحتاج إلى دقيقة الدراسة، لكنها تبقى تجربة كبقية التجارب، وكأن أبناءنا مازالوا حقل تجاربهم!؟
الدراسة والتخطيط.. معرفة السلبيات والإيجابيات.. وضع الأهداف والنتائج.. خطوات مهمّة وأساسية لاتخاذ أي قرار مصيري، ويجب وضع مصلحة الطلاب فوق أي اعتبار، ومراعاة ما يمرّ به محيطهم من ظروف ضاغطة.. وعلينا دائماً أن نكون معهم لا ضدّهم، فهم الأمل الموعود الذي نعوّل عليه الرجاء المعقود،سيّما وأنهم تعرّضوا لضغط نفسيّ آخر مع قرار إلغاء الدورة التكميلية ثم التراجع عنه، ولا ننسى أيضاً أن الأساتذة لم يسلموا من هذه القرارات، فبعد أن شجعوا الطلاب على نظام الأتمتة وساعدوهم في التدريب المستمر والمتواصل عليها، جاءت النتيجة بإلغاء القرار بعد أن سعوا لإنجاح التجربة بكل جهودهم.
وهنا نسأل بكل شفافية: مَن يتحمّل نتائج هذا التخبّط والقرارات غير المسؤولة؟! وما المعايير التي نعتمدها عند اتخاذ هكذا قرارات؟ ولماذا نحرق المراحل دائماً ونسعى إلى تسجيل “إنجاز” حتى لو كان من ورق؟.. كان حري بوزارة التربية أن تعمل على إدخال نظام الأتمتة بالتدريج من الصفّ السابع أو العاشر على الأقل، وليس في سنة مصيرية وتوقيت حسّاس كهذا، فالقرارات لا يجوز أن تكون لحظية آنية ارتجالية غير مدروسة.
ريم جبيلي