الوحدة : 30-1-2024
لدراسة الحياة الاجتماعية لشعب من الشعوب البدائية لا بدّ من معرفة البيئة المحيطة بهم ومدى التأثير المتبادل بينهما، ومختلف البيئات الساحلية أو السهلية الداخلية والجبلية الجرداء أو الصحراوية تفرض على ساكنيها أنماط خاصة من الحياة وتكون استجابتهم بما يتناسب وقدرتهم على التكيف في تأمين متطلبات حياتهم اليومية.. بهذه الكلمات استهل المؤلف جميل سليمان الراهب في كتابه: “سنجوان، إطلالة على الذاكرة” حديثه عن الموروث الشعبي في الحياة الاجتماعية للمجتمعات القديمة مشيراً في البداية أن الأنماط الاجتماعية لن تبقى حبيسة المكان والزمان مهما تدنت في مكانتها أو سمت بمعارفها، فتنداح في كل اتجاه حيث إغراءات الحياة تناديها أو قفر المأوى وشح السماء يدفعانها للانطلاق لتكوّن فيما بعد مع مثيلاتها من الأدنى أو الأسمى مجتمعات جديدة، وأكد المؤلف في السياق ذاته أنه لابد من الإطلالة ولو من بعيد لمعرفة بعض الشيء عن الحياة الاجتماعية والمادية وما قدمه الأول للآخر، الحقل للإنسان وما قام به الإنسان تجاه الحقل وما استطاع أن يستفيد مما هو عليه أو ما يحيط به من فوق رأسه ( أمطار ورياح) أو من تحت قدميه من مياه ونبات وتربة، و أردف المؤلف قائلاً: لا بد من تلّمس موضع القدم، وفي كل نظرة من مسقط البصر لفرز ما هو غير معقول عن ما هو ممكن ومقبول كالقصص والروايات التي يتداولها بعض الأفراد حول شخصيات أو خوارق تشبه المعجزات أو الأساطير التي هي من الركائز المكونة لشخصية المجتمعات القديمة ومعتقداتها.
وعن قريته سنجوان قدّم المؤلف شرحاً قائلاً: ما أقامته الأسرة الواحدة وربما الأسرتان الأقدم من بيوت وزرائب كان من بقايا خرائب انتزعت حجارتها من تحت ركام الزمان لتنهض من جديد على أنقاض وبقايا بيوت أخرى أبدع ساكنوها أو شاركوا في إنتاج حضارة أنارت لما تلتها سبل الحياة والمعرفة وربما على أنقاض بيوت أخرى هجرها أصحابها لتقوم مرة ثانية كطائر الفينيق، ثم امتدت واتسعت مع تكاثر الأسرتين وما انضم إليهما فيما بعد من الأفراد والأسر الوافدة لتكون مجتمعاً متجانساً عن طريق الجوار والمصاهرة عن طريق الزواج مما متّن عرى القربى والتعاون في تطويع بعض مظاهر البيئة من أجل الإنتاج الزراعي والحيواني حتى استفاقت الأرض حقولاً وكروماً يانعة.
ندى كمال سلوم