الوحدة :29-1-2024
تشهد منصّات التكريم بين الفينة والأخرى تكريم إحدى قاماتنا الكبار، سواء الأحياء منهم أم الأموات، في احتفاء ردّ الجميل والعرفان لعطاءاتهم وإنجازاتهم.
وحتى وقت قريب كنا نلحظ أحياناً تكراراً في تكريم بعض الأسماء وتغييباً لأخرى، وربّما عن قصد أو غير، حتى يظنّ المتابع أنه لا يوجد سوى هذا الفنان أو الأديب المبدع الذي يسلط الضوء عليه، وتلاحقه شهادات التكريم وجوائزه في حلّه وترحاله.. ومع تقديرنا الكبير لهذه القامات وعظيم إبداعاتها لكن تساؤلات عدة تُطرح:
ما المعايير المتّبعة في انتقاء هذه الشخصية المكرّمة أو تلك؟ ولمَ يتم التعامي وإغفال أسماء وقامات كبيرة كان لها حضورها الفاعل والمؤثر في مختلف الميادين وشتّى المجالات، وسيبقى ذكرها حاضراً على مرّ الأجيال والعصور؟ وهل وصول المبدع سنّ التقاعد شرط أساسي لتكريمه؟ وماذا عن بعض المواهب الشابة المغفلة لمَ لا يكون لها حصتها من التكريم والتقدير؟ فهذه الفئة العمرية هي ذخيرتنا الحيّة لقادمات الأيام، نبني ونعوّل كثيراً على مجهودها وابتكاراتها، وواجب الالتفات إليها والاحتفاء بها وإتاحة المزيد من الفرص لها وتشجيعها على التميز والارتقاء، ولعلّ تكريمها والإضاءة على ما تيسّر من عطاءاتها أولى هذه الخطوات، كي نؤمّن لها أرضية صلبة تنطلق منها إلى آفاق التميز والإبداع!.
من جهة أخرى تشهد منصّات التكريم احتفاءات ببعض قاماتنا التي توفاها الله وكأنهم يعزّون أنفسهم ويواسونها عن قامة ثقافية كرّست جلّ حياتها في إثراء مسيرة الأدب أو الفنّ أو سواهما، ولها تاريخ طويل عامر وزاخر بالأعمال الجِسام، ولئن سُعد أهل المكرّم وعبّروا عن امتنانهم، لكن لابدّ أن يحزّ في نفوسهم لو أن هذا التصفيق الحارّ والحفاوة الكبيرين كانتا لمبدعهم قبل أن يوارى الثرى.
التكريم عنوانٌ واسع وفضفاض وأن تقلّد أحدهم وسام المحبة والتقدير وتغفل آخر سواه، يُحدث شرخاً في نفوس الكبار، والكبير ليس سنّاً فقط، فكم من شابّ كبُر بعظيم ما أزهرت يداه من إبداع يوجده على خارطة العمالقة والأوائل.
ونقطة أخرى تجدر الإشارة إليها لماذا ننتظر من الآخر تكريم مبدعينا؟ ولمَ لا نكون سبّاقين إليهم، نقتنص فرص تكريمهم وهم بيننا، لا أن يتفضّل علينا الآخر في مهرجاناته وكرنفالاته واستعراضاته، لنبقى والمكرّم مدينين لالتفاته مدى الحياة؟
ومن هنا وجب علينا كإعلام ومؤسسات ثقافية معنية وذوي شأن الالتفات بعين الرعاية والاهتمام والتكريم لكل من هو جدير ومستحق لهذا الدّرع أو الوسام، وكم هي كثيرة احتفائياتنا ومهرجاناتنا وملتقياتنا! وليكن التكريم جماعياً إن صعُب فردياً، فالإبداع والتفوق سواسية أمام الجمهور.
ريم جبيلي