الوحدة:28-1- 2024
وجوه تعكس دواخل أرواح عاصرناهم أو نعاصرهم، كما لو أنها مرايا تخبّئ أسراراً، وتبوح بخيالات وأساطير، أنّا يمّمت وجهك ترمقك تلك الوجوه بعبَرات ونظرات تدعوك إلى الدهشة حيناً وإلى الحلم والصمت حيناً آخر، بعضها غابت تعابيره وقسَماته وتاهت وسط زحام العنف والقسوة، وبعضها الآخر حقيقي الملامح يبوح صدقاً وواقعية كما لو أنها لأرواح تعيش بيننا أو تشبهنا في غير زمان ومكان.. تأسرك تفاصيلها وتخطفك لتحلّق بك إلى ما ورائيات يستقرئها كل من عشق فنّ د. طلال معلّا، التشكيلي العريق، ابن الساحل الأصيل، الذي يبهرنا في لوحاته بوجبات بصرية تشبع الأرواح والمآقي..
حملت معارضه التي فاقت الاثني عشر معرضاً دعوات إلى (الصمت) عدا معرض واحد أقامه خلال الأزمة حمل عنوان (انتهى زمن الصمت)، نستقرئ في تجربته التي تخطّت الخمسين عاماً رسائل إلى جمهوره مفادها أنه في وجه كل سوريّ أسئلة عدة نقرأها من خلال تعابير الوجه، وتحاور لوحاته عيون المشاهدين بحثاً عن إجابات لها..
د. طلال معلا اسم كبير في عالم التشكيل السوري والعالمي، والمنحى التعبيري الذي يتّبعه أسلوبه يدل على امتلاكه للأدوات التعبيرية التي يُحسن استخدامها ليدل على الأفكار التي يريد طرحها من خلال الخطوط والأشكال التي يوظفها بتكوينات معينة تخدم أفكاره..
شخوصه لها خصوصية في طرحها من حيث وجود سمة واحدة لها، مع اختلاف اللون وتنقلاته من لوحة إلى أخرى، وتحليله حتى للّون الواحد الذي نجد فيه نقلات عدة من حيث ضربة الريشة وخطّها وكثافة اللون، وبالتالي درجات اللون، فيما نجد تضارباً بالألوان في لوحات أخرى، ونراه يستكشف مكنونات الشخصية ودواخلها وانفعالاتها..
د. معلّا يرسم الوجوه عامة والنساء خاصة، وهذا ما يميز فنّه وتجربته، إذ لا يقلد فيها أحداً ولا يشبه أحداً، وله سوية حققت وجودها التشكيلي بامتياز، ولطالما أثّر وتأثر بتجارب غيره لكنه يبقى متفرّداً له بصمته ووجوهه التي تدلّ عليه مباشرةً، وعندما نرى لوحة له وإن غاب اسمه عنها وفي أي مكان يعلم المتابع لفنّه أنها له مباشرة، فهذه الشخوص لها قصصها التي بقيت في ذاكرته وتشبهه إلى حدّ ما..
تجربةٌ سورية تشكيلية رائدة لا تتسع لها السطور، نتوق إلى مزيد من إبداعها الذي يُثري الحركة التشكيلية ويغنيها ويزيدها ألقاً وحضوراً وتميزاً.
ريم جبيلي