في ذكرى رحيله… “ممتاز البحرة” الرسام المبدع الذي رسم ملامح الطفولة لأجيال متلاحقة ولون أيام طفولتنا بريشته
الوحدة :17-1-2024
لطالما رافقت رسوماته الكثير من الصحف و المجلات و القصص و الكتب المدرسية على مدى ستين عاماً ، وترك لنا إرثاً إنسانياً و ثقافياً و فنياً لا ينسى ، لأن رسوماته لم تطبع على أوراق الكتب و المجلات فقط ، و إنما طبعت في ذاكرتنا ووجداننا و وخصوصاً الشخصيات الأيقونية التي رسمها باسم ورباب و والديهما و أصدقائهما .. المعلم و الفلاح و العامل و العم منصور النجار ، و أبطال التاريخ العربي و غيرهم الكثير من الشخصيات التي لاتحصى ، حتى الدمى و الألعاب و الطائرة الورقية لهم مكان في ذاكرتنا بالإضافة للطبيعة الساحرة و ماتحويها من الزهور و الطيور و الفراشات و كل الحيوانات التي كانت تلعب و تضحك و تقفز على صفحات الكتب ..
وعبر هذه السطور، نرصد السيرة الذاتية لهذه القامة من قامات الفن التشكيلي الموجه للأطفال والمكرس للتعبير عن حالات الفرح والحلم الطفولي وتلوينه بألوان الطموح والخيال الذي يتعدى حدود الأفق.
الفنان التشكيلي الراحل محمد ممتاز البحرة فنان تم تخليد اسمه كعلم من أعلام سورية، وبرحيله خسرت أجيال الطفولة أحد أهم آبائها الروحيين فهو الفنان الذي سكن الذاكرة السورية لعقود طويلة، ينتمي إلى جيل سوري ارتبط ارتباطاً وثيقًا بالقضايا الوطنية ، وكرّس لها غالبية نتاجاته. إنه إيقونة الإبداع والفرح واللون والتشكيل الذي حمل في رسوماته عالم الطفولة المختلف، وشخصياته التي لاتزال تعيش في تفاصيل حياتنا نحملها في ذاكرتنا كأصدقاء لنا نحاكيهم نقتدي بهم نحبهم … أشخاص لعبنا معهم وتعلمنا منهم الكثير، تعلّمنا حب الوطن والأرض والبيئة واحترام الكبير وتبجيله، والعطف على الصّغير ومساعدته، تعلّمنا كيف نتصرف بأخلاق ورقي مع الآخرين ، وتعلّمنا كيف نرفع راية الوطن عالياً … إنها شخصيّات رسمها ولوّنها رسّام الأطفال الأوّل ، ورافقتنا في مناهج دراستنا، وكانت ملهمة لكثير منّا على الإبداع… فكان حالة إنسانية ووطنية وإبداعية نادرة، وهذا التميز يكمن في عناصر عدّة أهمها أن رسوماته كانت تقترن بكلمات شاعر الطفولة المبدع الراحل سليمان العيسى فكانت الكلمة مكملة للصورة و لا تقلّ أهميةً لوحاته عن كلمات صديقه التوأم ، وعنهما قالت الأديبة ملكة أبيض: ” الكلمات تزداد إيحاءً وحياة بالرّسومات، لقد كانا وجهين لإبداع واحد، لذلك وصلا إلى قلوب الأطفال، ونشأ جيل مشبع بهذه الجوانب الإبداعية… ” .
ولم تقتصر رسومات ممتاز البحرة على المناهج الدّراسية، بل تعدّتها إلى المجلات المخصصة للأطفال، لتكون مجلة – أسامة – أهمها، إذ صبغها ببصمته الفريدة والخاصة فقد كان يعشق شخصية – أسامة – حتّى ظهرت بهذا الجمال والحبّ. الجدير بالذكر أن الفنان الراحل ممتاز البحرة ينتمي لرواد الجيل الثاني في الحركة التشكيلية السورية. تربّى في بيئة دمشقية ودرس الفنون بجامعة دمشق. ويعد الراحل من أهم رسامي أدب الأطفال إذ رسم للكتب المدرسية التابعة لـوزارة التربية السورية التي تناقلها الأطفال في السنوات المدرسية الأولى فأحب الأطفال شخصياته، وقد تميز في اختراع العديد من الشخصيات التي أعطت الكتب المدرسية طابعها المميز . كما يعد الأب الروحي لمجلة – أسامة – التي أسسها عام 1969 مع الكاتب المسرحي سعد اللـه ونوس والقاص زكريا تامر، ومؤسس مجلة – الطفل العربي – الصادرتين عن وزارة الثقافة في دمشق. ومن أهم لوحاته لوحة “ميسلون” المعروضة في بانوراما الجندي المجهول على سفح جبل قاسيون المطل على مدينة دمشق.
فدوى مقوص