الوحدة : 3-1-2024
ذلك (الضوء الخافت) لم يكن(احتفالاً تحت الثلج) في بداية سنة ميلادية جديدة،أو (بعودة الرجل الغريب) من (جبل الشوح)، تلك (الصورة) لم تكن (لرجل الذهب) بل كانت (لمستعمرة الشتاء) التي أنبأت عن (الموت في المدينة)..
لساعة تقريباً تحدثنا ميساء وأنا ليلة أمس، عن صاحب تلك المجموعات القصصية، حدثتني عن فلسفته في الحياة، عن ذكرياتها مع أبيها وشراكتهما الجميلة في الإبداع والترجمة… وعن مرافقتها له في مرضه في الفترة الأخيرة..
كانت ميساء (أم أبيها) ريحانة القلب ومصدر الغبطة تماماً كما وصفها لي في محادثاتنا الأخيرة ، عندما كان ينتظر عودتها من ألمانيا بفارغ الصبر.
قبل يومين اتفقنا على لقاء قريب بعد مغادرته المشفى، لكن الموت كان أقرب من موعدنا..
كنت أنتظر اتصالها لنلتقي لكنها أخبرتني أن رفيقها الغالي غادرنا إلى لقاء وجه ربه، ليختم مسيرة حياة حافلة من العطاء والتألق، بعد أن ترك لنا إرثاً معرفياً وأدبياً غنياً، فالراحل الكبير أديب ومترجم من مواليد محافظة اللاذقية، مُجاز في علوم الجغرافيا والتربية، واللغة الألمانية وآدابها. صدر له عددٌ من الروايات والمجموعات القصصية، كما صدرت له أعمال مترجمة في مجال الفلسفة والميثولوجيا والآداب، نذكر منها بالإضافة إلى ماورد: رواية «شارع الخيزران» رواية «البحث عن الظلام» رواية «طائر الرحيل» ،كما ترجمَ عدداً من الأعمال الفلسفيّة أشهرها: (البطل ذو الألف وجه) وهو كتابٌ فلسفي مترجَم عن النسخة الأصليّة التي حملت عنوان The Hero With a Thousand Faces والتي صدرت عام 1972، كما ترجمَ كتاب (قوّة الأسطورة) وهو أيضاً كتابٌ فلسفي مترجَمٌ عن النسخة الأصليّة التي حملت عنوان The Power of Myth والتي صدرت عام 1988، كذلك كتاب فريدريك نيتشه:( مقاتل من أجل الحرية): وهو كتابٌ فلسفي ثالث مترجَم عن النسخة الأصليّة Friedrich Nietzsche: Fighter For Freedom التي صدرت في الأول من حزيران/يونيو 1985…
كما ترجم العديد من الروايات والكتب الأخرى التي زودت المكتبة العربية بأعمال لها أهميتها في مجالات الأدب والفلسفة والميثولوجيا.
و قد تم تكريمه في مدينة الدوحة بعد حصوله على جائزة الترجمة من اللغة الألمانية عن كتاب يحمل عنوان(الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقى) لعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر.
وكان ختام ما صدر له في عام 2023م (دفاتر العزلة..حوار مع الزمن) وهي سيرة ذاتية عرض فيها الكاتب لمراحل مختلفة من مسيرته الإنسانية والإبداعية، وكان أن ختمها بقوله: (في النهاية أنا لا أرى أن الحياة سباق محموم لتبوء مكان يحظى بالأهمية، إذ هنالك الكثير من الأهميات التي تقوم على الخداع، ولا مانع من أن يحظى السارق الجيد بالأهمية الكبرى، … وأنا لم أكن يوماً معنياً بهذه الأهمية.
كل ما كان يعنيني هو أن أحقق شيئاً له قيمة في المجالات التي بذلت جهودي في رحابها وهي العمل التربوي ومن ثم الكتابة وأخيراً الترجمة. وكان هدفي من وراء ذلك بعد دفع ملكاتي في سلم التطور هو خدمة الأمة التي وهبتني لغتها، أرضها وسماءها.. على أن كل واحد من هذه الأقانيم الثلاثة يساوي عندي كنوز الدنيا كلها).
رحم الله روح المبدع الكبير التي لابد أنها استقرت واطمأنت وقد جاورت روح ابنه نمير الذي سبقه إلى دار البقاء، فبكاه ورثاه وتمنى دوماً هذا اللقاء:
غاب الحبيب فما في الدار من أحد يالوعة الحب في الأحزان والكمد
خرجت أبحث عن حزن يليق به خرجت أبحث عنه وهو رهن يدي
خرجت أطوي دروب الأرض مرتحلاً علي أشمّ طريقاً سارها ولدي.
نور نديم عمران