الوحدة 18-12-2023
أكد السيد الرئيس بشار الأسد أن الحرب اليوم هي حرب الحقيقة، وما حصل في فلسطين كسر هيمنة الرواية الصهيونية عالمياً، وأن التمسك بالقضايا يحمي الأوطان والشعب الفلسطيني نجح في التمسك بقضيته، مشيراً إلى أن هجمة المسؤولين الغربيين لدعم “إسرائيل” هي هجمة الأم لحماية ابنها و”إسرائيل” هي الابن الشرعي للاستعمار.
جاء ذلك ضمن حديث الرئيس الأسد في الشأن السياسي خلال ترؤسه دورة اجتماعات اللجنة المركزية للحزب، التي تنعقد لمناقشة جدول أعمال المقترح المقدم حول التحضير لإجراء الانتخابات الخاصة لاختيار ممثلي الحزب إلى اجتماع اللجنة المركزية الموسّع القادم.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة السيد الرئيس في الجانب السياسي:
قال الرئيس الأسد: الشيء الوحيد الذي يستحق الحديث هو الوضع الفلسطيني خاصة ما حصل في غزة مؤخراً، ما حصل في غزة غيّر حقائق تاريخية لسنوات طويلة وربما لأجيال، ولن تتغير في المدى المنظور بغض النظر عن نتائج الحرب.. دُمرت غزة.. هُجر الشعب الفلسطيني.. أُبيد الشعب الفلسطيني.. هناك حقائق ظهرت، وهذه الحقائق بالنسبة لنا هي دروس مستفادة يجب أن نفكر فيها ونتعلمها وتبقى نصب أعيننا لأنها تتقاطع بشكل كبير مع ما عاشته سورية ومع ما يمكن أن تعيشه دول عربية أخرى، وربما غير عربية لأن المبادئ واحدة بالنسبة للشعوب والأوطان.
الرواية الفلسطينية نسفت الرواية الصهيونية
أهم نقطة في هذه الحرب أن الصهيونية العالمية التي سيطرت على الرواية منذ نشأة القضية الفلسطينية من سبعة عقود وربما من القرن التاسع عشر لأول مرة تفقد السيطرة على هذه الرواية، بجانب من الجوانب.. لأن وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت أداة الغرب من أجل السيطرة على العقول عبر الرواية وعبر الثقافة وعبر السياسة وعبر العادات والتقاليد تسيطر على العالم بكل جانب من جوانبه، قد نضجت، وأنا أقصد نضجت ..نضج من يستخدمها، نضجت الشعوب في استخدامها فانقلب السحر على الساحر وخسرت الصهيونية روايتها حتى في أهم معاقلها منها الولايات المتحدة، لا يعني أن الشارع الأمريكي أصبح داعماً لفلسطين ولكن أصبح لديه الكثير من الشكوك حول الروايات الصهيونية، وهذا يتقاطع بشكل كبير مع ما عشناه في سورية في بداية الحرب، عندما كانت الدول العربية تفرض الكثير من القيود على وسائل التواصل باعتبارها أداة جديدة ومخيفة ومنها سورية، فقامت تلك الدول بتقييد، وربما قطع الإنترنت بشكل مطلق بعكس ما قمنا به في سورية، قمنا بإزالة كل القيود انطلاقاً من أن هذه الحرب أولاً.. يجب أن تخاض.. بطريقة.. طريقة الأعداء، فلا يكفي أن نخوضها بطريقتنا.
ثانياً.. انطلاقاً من الثقة بالجمهور، فإذا لم يتمكن الجمهور العريض من الدفاع عن وطنه فلا معنى للدولة ولا أمل للدولة في الدفاع عن وطنها، فكان لدينا مبدأ في بداية الحرب بأن قوتنا هي في وعي الجمهور وليس قوتنا في القوات المسلحة وفي الخطاب السياسي وكل هذه الأمور الهامة، ولكن عندما نقول الحاضنة الشعبية فهي حاضنة الوعي، وتمكنا .. ليس بالضرورة باختراق الرأي العام العالمي ولم نكن نفكر بهذا الشيء، ولكن تمكنا كمجتمع من حماية الرأي العام الداخلي في سورية.
الحرب اليوم هي حرب الحقيقة، ومن يربح الحقيقة.. يربح المعركة
وتابع الرئيس الأسد: ما يتقاطع بين الحرب السورية والحرب في فلسطين والحرب في أوكرانيا والحرب في الصين -بحر الصين الجنوبي وفي فنزويلا وغيرها، كل حروب الغرب وتحديداً أمريكا تستند بالدرجة الثانية إلى السيطرة على الأرض ولكن بالدرجة الأولى إلى السيطرة على الحقيقة.. اليوم الحرب هي حرب الحقيقة، ومن يربح الحقيقة.. طبعاً الحقيقة بغض النظر إن كانت حقيقية أو مزورة، هو من يربح الحرب والمعركة. لذلك أكثر ما أرعب الخونة في سورية في بداية الحرب أن يعرف العالم وأن يعرف السوري تحديداً وليس العالم بأنهم خونة، وأن يعرف السوري بأن الإرهابي هو مرتزق وليس ثائراً، وأكثر ما يُرعب /إسرائيل/ اليوم في العالم أن يعرف العالم حقيقتها الإرهابية، لذلك المعركة هي معركة الحقيقة اليوم، ويجب أن نعرف بأن الولايات المتحدة سيطرت على العالم قبل الدولار وقبل الأساطيل بالحقيقة، وبدأت هذه الحقيقة منذ الحرب العالمية الثانية، فكلنا تعلمنا وعشنا من خلال الأفلام والروايات والقراءات بأن الغرب هو عدو النازية، ونسينا بأن النازية هي العدو الأساسي لروسيا “الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت”.
أغلبنا لا يعرف بأن صعود النازية بين الحرب العالمية الأولى والثانية هو كان بدعم أمريكي، الكل يتساءل.. كيف كان هناك يعني انهيار ألماني وقيود أوروبية، كيف سمحوا للنازية بالصعود وتأسيس جيش، بالدعم الأمريكي.. بالأموال الأمريكية.. بالقروض.. بالاستثمارات أعتقد حتى شركة فورد استثمرت، وبقيت الاستثمارات بعد بدء الحرب، وبقي الدعم بعد بدء الحرب، أعتقد ربما خلال العام الأول، وعندما تغيّرت الخطة النازية تغير الدعم الغربي وأظهرت أوروبا بأنها ضد تلك الحرب.
أمريكا لم تقاتل النازية .. كل من تعاون من القادة النازيين مع أمريكا عُزز وكُرم
وأضاف الرئيس الأسد: تتمة هذه الرواية أن الكل يعتقد بأن الغرب انتصر على النازية، في “إنزال النورماندي” هذا الإنزال العظيم، والقلة تعرف بأن هزيمة هتلر بدأت في عام 1941 على أسوار موسكو بعد عامين تقريباً من بدء الحرب، ولم تكن القوى الغربية خاصة الولايات المتحدة تقوم بأي عمل ضد النازية، وكان ستالين يطالب أمريكا بالتدخل وهي ترفض، كانت تريد من النازية والشيوعية أن يدمروا بعضهم البعض، فتسيطر أمريكا على أوروبا بعد أن تكون أوروبا أيضاً قد دُمرت.
والمرحلة الثانية للانتصار الروسي كان عام 1942 بعد حصار ستالين غراد وبدء الهجوم الروسي المعاكس الكبير، واستمر الهجوم الروسي حتى صيف 1944، يعني تقريباً ثلاث سنوات والغرب لم يقاتل النازية، وأقصد تحديداً أمريكا وليس الغرب بشكل عام، عندما اكتشفوا بأن الروسي قاب قوسين أو أدنى من الانتصار، قرروا الهجوم واختطاف الانتصار ومنع الروسي من التقدم باتجاه أوروبا الشرقية..ألمانيا وغيرها، هذا هو سبب الهجوم.
التتمة أن محاكمات نورنبيرغ المشهورة كانت للقادة النازيين الذين رفضوا التعاون مع أمريكا، أما كل من تعاون فعُزز وكُرم في أمريكا وفي الدول الغربية، أول الصواريخ الأمريكية صنعها النازيون الألمان، الناتو أُسس على أيدي الضباط الألمان، حاكم المصرف المركزي الألماني أقرب شخصية لهتلر عاش مُعززاً مُكرماً في أمريكا، قادة النازيين الأوكران ومنهم قادة منظمة بانديرا توفوا ما بين ألمانيا الغربية نفسها وأمريكا، فإذاً امتلاك هذه الخدعة هو الذي جعل أمريكا تسيطر على العالم، نفس الشيء قضية المحارق، ستة ملايين، لا يوجد أي دليل بأن هناك ستة ملايين يهودي قتلوا، وربما حصلت محارق، لا أحد ينفيها، وهناك معسكرات الاعتقال.. صحيح، لكن الدليل على أن هذا الموضوع مسيّس وليس إنسانياً ولا حقيقياً، كيف نتحدث عن ستة ملايين، ولا نتحدث عن 26 مليون سوفييتي قتلوا في تلك الحرب، يعني ستة ملايين أغلى؟ الممارسات نفسها كانت على كل الاتجاهات، لم يكن هناك طرق قتل مختصة باليهود، ولا طريقة تعذيب مختصة باليهود، في كل الأماكن نفس الطريقة استخدمتها النازية، ولكن القضية هي قضية مسيّسة، ولتزوير الحقيقة ولاحقاً للتمهيد لنقل اليهود من أوروبا باتجاه مناطق أخرى هي فلسطين.
فإذاً، نريد أن نقول بأن المعركة هي معركة ما نسميه معركة الحقيقة، هي نفسها معركة الوعي، إن لم نكن نمتلك الوعي لا يمكن أن نمتلك الحقيقة، لذلك نُفاجئ بأن اليوم نفس المجتمع الذي تمكن في سورية من الصمود في وجه مرحلة دعائية معقدة ولم يكن لدينا الخبرة في ذلك الوقت، وكل العالم ضدنا، اليوم أجزاء منه.. أجزاء من هذا المجتمع تغرق بنوع من الأكاذيب البسيطة جداً، غير المعقدة، الإشاعات البسيطة، يعني أنا أقول نشبه سبّاحاً عالمياً ربح ميداليات.. حقق أرقاماً قياسية لم يحققها سبّاح آخر ولكنه غرق في شبر ماء، هنا مشكلة الوعي، هنا معركة الوعي، يجب أن نفكر بهذا الموضوع بشكل جدي، طبعاً هناك مشكلة “عويصة” متجذرة هي مشكلة مؤسسات الدولة في نقل المعلومات، هذه مشكلة الدولة المزمنة، لا نحب أن ننقل معلومات، هي عادة اجتماعية بالمناسبة، نأخذها من المجتمع ونكرسها في العمل المسؤول وخاصة الحكومي، ولكن مع ذلك الأكاذيب التي تظهر هي بالعشرات يومياً وربما بالمئات، لا يمكن بكل الأحوال أن نتابع وأن تصدر بيانات بالعشرات وبالمئات، هناك تقصير من الدولة بكل تأكيد، ولكن هناك قصور بالوعي لدى بعض جوانب المجتمع، وأنا أتحدث عن جوانب الوطنية، جوانب موالية للدولة، وجوانب تمكنت بمراحل من أن تواجه أعتى أنواع الدعايات، هي نفسها التي تغرق أحياناً في بعض الإشاعات، هذا عنوان يجب أن نفكر به كحزب ونلعب دورنا، هذا هو دور الحزب في أي مجتمع، أي حزب في أي مجتمع هذا هو دوره، بناء الوعي بالدرجة الأولى…
ما حصل في فلسطين في الأعوام الأخيرة أعاد إحياء القضية عالمياً
وتابع الرئيس الأسد: فإذاً النقطة الأولى كما قلت هي الحقيقة بالنسبة لفلسطين وغزة، الجانب الآخر هو موقع القضية الفلسطينية، في سورية موضوع القضية الفلسطينية موجود باللاوعي، يعني نحن لا نفكر فيها كقضية بحكم العلاقة التاريخية، بحكم أننا أبناء منطقة واحدة وتقاليد واحدة، وأعتقد بأن جزءاً من الدول العربية الأخرى نفس الوضع بالنسبة للحالة الشعبية طبعاً، لا أتحدث عن الحالة الرسمية، لكن في العالم الوضع ليس كذلك بعد اتفاقية أوسلو، اعتقد معظم الناس أن القضية الفلسطينية انتهت وحُلّت، والصراعات الموجودة أو الخلافات الموجودة هي خلافات طبيعية بعد صراع طويل لعقود، فلا بد أن يبقى هناك يعني خلافات وبعض الصراعات.
“إسرائيل” المندثر كانت الجغرافيا والتاريخ الذي عاش به هي ما بين مصر وفلسطين وبلاد ما بين النهرين أي في العراق حالياً.
“إسرائيل” لم تُبن عبر تراكم حضاري وإنما عبر قرار سياسي، والسياسة لا يمكن أن تبني شعوباً
وأضاف الرئيس الأسد: لذلك عندما لا يكون الشعب حقيقياً ننظر إليه ونرى اليوم كيف أن هذا الشعب هو شعب مركب، يعني كالألعاب التركيبية للأطفال “ليغو”، من الألعاب التركيبية يمكن أن نبني شخصاً، إنساناً طوله متر، وربما إنسان طوله عشرة أمتار ويشبه كثيراً الإنسان الحقيقي، ولكن ليس فيه روح.. لا يتحرك.. لا يمكن أن يعيش، لأن المجتمعات تُبنى عبر تراكم حضاري فيه جغرافيا وفيه تاريخ وفيه ثقافة، وفيه عقيدة، وفيه أشياء مختلفة تبني المجتمع.
“إسرائيل” بُنيت ليس عبر تراكم حضاري وإنما عبر قرار سياسي، والسياسة لا يمكن أن تبني شعوباً ولا يمكن أن تؤسس لحضارات، السياسة عندما تريد أن تبني شعباً فهي تقدم لنا مسخاً، مسخ عبارة عن حالة شاذة تعيش بشكل مناقض لقوانين الطبيعة، لقوانين الإنسانية، مناقضة للشعوب الأخرى التي تعيش حولها.
“إسرائيل” بُنيت ليس عبر تراكم حضاري وإنما عبر قرار سياسي، والسياسة لا يمكن أن تبني شعوباً ولا يمكن أن تؤسس لحضارات، السياسة عندما تريد أن تبني شعباً فهي تقدم لنا مسخاً، مسخ عبارة عن حالة شاذة تعيش بشكل مناقض لقوانين الطبيعة، لقوانين الإنسانية، مناقضة للشعوب الأخرى التي تعيش حولها.
التوافق مع قوانين الطبيعة يخلق إنساناً سوياً ومستقراً، والتناقض مع قوانين الطبيعة يخلق إنساناً ومجتمعاً مريضاً ومعقداً كإنسان لديه كل عقد العالم غير القابلة للإصلاح، لذلك يكون مضطرباً.. خائفاً.. عنيفاً لدرجة الإجرام، هذا ما نراه اليوم في قطعان المستوطنين، كيف تقتل وتتلذذ بدماء الفلسطينيين، هذه حقيقة أن هذا الشعب هو شعب مضطرب، نراها في تصرفات هذا الجيش الصهيوني المطلق العنف والإجرام إلى درجة الهيستيريا، والجبان بنفس الوقت إلى حد الانهيار.
التمسك بالقضايا هو الذي يحمي الشعوب ويحمي الأوطان
وقال الرئيس الأسد: ماذا يعني أن الشعب الفلسطيني نجح في التمسك بقضيته؟ الدرس الأهم أن القضايا هي التي تحمي الشعوب، وهي التي تحمي الأوطان، لذلك عمل الغرب في الدعاية على أن المجتمع الجديد بعد سقوط الاتحاد السوفييتي هو مجتمع من دون عقائد، مجتمع لا يحمل قضايا، مجتمع لا يحمل إيديولوجيا، لا يحمل سوى الأفكار المادية، القضايا السريعة مثل الطعام السريع، أكل غير صحي، أفكار سريعة مادية تؤدي للسيطرة على هذه الشعوب.
لذلك يجب أن نعرف بأن الدبلوماسية.. لأن البعض ينظّر كثيراً عن إجراء دبلوماسي قامت به سورية، لماذا قمنا بهذا العمل في هذا المكان؟ لماذا لم نسر مع السرب؟ يعني التكتيك مؤقتاً، لا يعرف هو إلى أين يسير السرب. لماذا لم نساير أمريكا مثلاً في حربها على العراق عندما طلبوا منا شيئاً بسيطاً أن تخرج الطائرات الأمريكية فوق الأجواء السورية، مع أنه لن يراها المواطن السوري.. ستكون على ارتفاعات عالية، لأنهم لا يعرفون بأن السياسة الغربية والأمريكية تحديداً تطلب منك المساعدة لكي تحميك بشكل مؤقت، ولكن أنت تجعلها أقوى، وعندما تكون أقوى سوف تنقض عليك وتقضي عليك. لا يعرفون أن الثور الأبيض أُكل عندما أُكل الثور الأسود، لا يفهمون هذه المواضيع، ينظرون إلى الأمور بشكل قصير الأمد.
الذي يحمينا من الرؤية القصيرة هو فكرة القضايا، لذلك الدبلوماسية من دون قضية تديرها هي كالتكتيك من دون استراتيجية، وهي كالمناورة لكن من دون هدف، يعني أنا أناور لكي أصل إلى هدف، لذلك في أحد الأحاديث مع أحد الأشخاص منذ زمن، شخص غير سوري، كان يتحدث عن الذكاء السوري في السياسة، وكيف تجاوزت سورية مراحل مختلفة، يتحدث عن أشياء قديمة ليس بالضرورة جديدة، قلت له: لا..لا.. الذكاء لا يحمي، الذكي ينجح مرة وينجح عشر مرات ولكن في المرة الحادية عشرة سيسقط، والسقوط في القضايا الوطنية كارثي لا مجال للخطأ، ونحن بشر نخطئ ويجب أن نخطئ، قلت له ما يحمي المواقف السورية هي المبادئ، وهي الثوابت، والثوابت تنطلق من القضايا، فعندما يكون لدينا قضايا، يكون لدينا ثوابت، وعندما يكون لدينا ثوابت يكون لدينا دبلوماسية تخضع لهذه الثوابت، من الممكن أن نخطئ في التكتيك بشكل مستمر ولكن يفترض ألا نخطئ في القضايا المبدئية.
البعض كان يتحدث عن حرب الكويت، لكي نعود لأمثلة قديمة، أن الرئيس حافظ الأسد كان ذكياً باستغلال هذه الفرصة لكي يقف مع أمريكا، يعني كل المبدئية السورية تحولت إلى حالة انتهازية.. انتهازية بلا مبدأ، وقف مع أمريكا.. لأن أمريكا دولة عظمى في ذلك الوقت، لم يفكر أحد منهم وهو على رأس حزب قومي، بأن رفض الاحتلال في الكويت يشابه رفض الاحتلال في فلسطين، ويشابه رفض الاحتلال في الجولان وفي أي مكان آخر، لم يفكر بالقضية المبدئية.. لا يفكر أن موضوع الاحتلال يخلق قضية يجب أن نتعامل معها كقضية، مع كل أسف في الظروف الحالية، في الجو الآن الذي يعيش به العالم، نحن نواجه الكثير من اللامبدئية، لذلك يجب أن نكرس العمل دائماً على القضايا.
لاحظوا أن القضية الفلسطينية لم نسمع أحد من الفلسطينيين ينتقد هجوم المقاومة في غزة بالرغم من كل الثمن الكبير لماذا؟ لأن هناك قضية، بالمقابل هناك من يقول في سورية ماذا قدمت الدولة، البعض طبعاً.. البعض من الانتهازيين.. ماذا قدمت الدولة؟ ماذا قدمت أنت للدولة؟ لا، هو موجود للانتهازية، يأخذ ولا يعطي، نفس السياسة الغربية يأخذون كل شيء ويقدمون لا شيء، فإذاً هذا الموضوع خطير، عندما نخسر القضية سوف نخسر الوطن، هذا هو المختصر المفيد، ليست القضية أننا نحن إيديولوجيون وديماغوجيون ونبحث عن مبادئ كبرى نتعلق بها لأن نفسيتنا أو عقليتنا تسعى لهذا الشيء لمجرد أنها حالة نفسية، لا، هي مصلحة، نحن نتحدث عن مصلحة، ننطلق من المصالح، ولكن المصالح الحقيقية وليست المصالح الضيقة والانتهازية.
الحزب أو من أجل تهديد إيران، كل هذا الكلام غير صحيح لأن الأساطيل موجودة في الخليج وموجودة في البحر المتوسط ولا حاجة لتحريكها بضع مئات من الكيلومترات لكي يغيروا التوازن، ولكن الرسالة الحقيقية كانت للمجتمع الإسرائيلي المنهار، وهذا يؤكد أن هذا المجتمع هو مجتمع مركب، يعني هذا المجتمع لديه كل الدعم الدولي منذ القرن التاسع عشر قبل أن تنشأ إسرائيل بشكلها الحالي، مقابل مجتمع مُحاصر ومُحارب دولياً ومُقتل إسرائيلياً، نلاحظ درجة التماسك والصمود الموجودة لديه.
المقاومة تمكنت من كسر الهيمنة الصهيونية على الرواية بنشر الحقيقة والتعامل الأخلاقي مع الأسرى
وأضاف الرئيس الأسد: النقطة الأخرى هي التفوق الفلسطيني في نشر الحقيقة ونشر المعلومة، بالرغم من أن حتى الكهرباء والإنترنت والاتصالات ممنوعة عنه، ولكنه قام بعمل إعلامي فعلاً كان مذهلاً لنا جميعاً، مقابل خسارة الرواية الصهيونية كما قلت قبل قليل، وهي التي تتحكم في الرواية العالمية، يعني كل أفلام هوليود على مدى قرن من الزمن وأكثر توجه العالم كله باتجاه رواية واحدة، فتمكنوا من كسر الهيمنة الصهيونية على هذه الرواية، كما قلت حتى في الساحة الأهم وهي الولايات المتحدة الأمريكية.
المقارنة الأهم هي المقارنة الأخلاقية، نلاحظ كيف تعامل الصهاينة جيشاً ومستوطنين مع الأسرى الفلسطينيين كباراً وصغاراً، مدنيين وعسكريين، أطفالاً، شيوخاً، رجالاً، نساءً لا يهم، بشكل وحشي، مقابل التعامل الأخلاقي للفلسطيني مع الأسرى الصهاينة، لدرجة أن هذا التعامل أرعب المؤسسات الإسرائيلية التي حاولت بشتى الطرق أن تعتم على ردود أفعال الأسرى الصهاينة ولكنها لم تتمكن، وهذه المقارنة هي ليست مقارنة صعبة بل مستحيلة، وهي التي تثبت بأن الطرف الأول، الصهيوني هو ليس شعباً، أو شعباً وهمياً وكاذباً ومزيفاً، والطرف الآخر هو الطرف الأصيل الحقيقي وهذا الانتصار هو انتصار حضاري.
هناك مجموعات محبَطة وتريد أن تحبط الآخرين.. ويجب أن يكون لدينا دائماً رؤية بعيدة في القضايا الوطنية
وتابع الرئيس الأسد: أين تهمنا هذه النقطة؟ تهمنا فيما يسمى الطابور الخامس، الطابور الخامس تعرفون بالأساس هي قصة أعتقد أنها حدثت في إسبانيا، كان هناك أربعة طوابير عسكرية، فقالوا للقائد كيف ستدخل؟ قال هناك طابور خامس يعمل معه من الداخل، الطابور الخامس بمفاهيمنا الآن هو ليس بالضرورة عملاء وخونة، لا، هناك مجموعات محبَطة وهي محبِطة لأنها تريد أن تحبط الآخرين، لأنها عندما تحبط الآخرين تشعر بأنها في مكان طبيعي، هناك شخص تافه يريد أن يرى الآخرين تافهين بنفس المستوى، لأنه يشعر بأنه في مكانه الطبيعي، في البيئة الطبيعية، هناك شخص جبان، هناك صاحب مصلحة يريد أن يعتقد بأن كل الناس تفكر مثله، فيسوق طريقته بالرواية، هؤلاء الأشخاص عندما يقيسون الأمور، المقارنات التي قمت بها، أنا، لم أسأل كم أسيراً مقابل كم أسيراً؟ كم أسيراً مقابل كم شهيداً، أو كم دبابة دمرنا مقابل كم بناء خسرنا؟ لا تقاس الأمور في القضايا وفي الأوطان وعند الشعوب بهذه الطريقة، هي ليست بورصة لكي نحسب الربح والخسارة.
المشروع؟ أليست مطروحة بنفس الطريقة اليوم؟ تهجير، أليست حرب غزة والضفة هي من أجل التهجير؟ نحن نسأل الطابور الخامس الذي كان يسألنا في مناطق مختلفة، لماذا لا نساير هنا ولا نساير هناك؟ ماذا قدمت المسايرات العربية للشعب العربي؟ بما فيها الرؤساء أو الملوك لا يهم المنصب، رؤساء الدول الذين سايروا أمريكا لعقود، هل شفع لهم ذلك عند أمريكا؟ هل هناك نموذج يقول بأن المسايرة على حساب المبادئ الوطنية ستحمي الوطن، لو كان منطق هذا الطابور يصح، فأنا سأصبح جزءاً من الطابور الخامس، وكلنا سنصبح جزءاً من الطابور الخامس لكي نحقق المصلحة الوطنية، ولكن كل الحقائق أثبتت العكس، اليوم اتضح أن المخطط يسير من دون توقف، لن توقف إسرائيل مخططها بالنسبة لإسرائيل الكبرى، ولن يشفع لكل من فتح مع إسرائيل أنه سيكون خارج هذا المخطط بدايةً من الدول القريبة، ووصولاً إلى الدول الأبعد، والتهديدات التي تقوم بها الدول العربية والرفض والاستنكار والخطوط الحمر، وأن هذا ما يحصل إعلان حرب وإعلان… لن يغير شيئاً، المخطط يسير وسيشمل الجميع.
ثمن المقاومة هو أقل من ثمن الاستسلام
وقال الرئيس الأسد: لذلك، لأن الواقع الآن كذلك، فأحداث فلسطين منذ عام 2009 عندما قُصفت غزة، ولاحقاً الهجمات المتكررة عليها والهجمات التي بدأت باتجاه الضفة الغربية، ومقاومة أبناء الضفة الغربية من الشباب، لا يتبعون لحماس ولا لفتح، هم فلسطينيون فقط، والأهم من كل ذلك مقاومة العمليات، أو العمليات التي نشأت، عمليات المقاومة التي بدأت تنطلق في أراضي عام 1948، كلها تؤكد على صحة السياسة السورية التقليدية بالنسبة لدعم المقاومة، وعندما نقول دعم المقاومة والتمسك بالمقاومة، فنحن نتمسك بمبدأ المقاومة، لا يهم كيف، كيف ندعم كيف نتحرك، تفاصيل أخرى لا تعنينا، نحن لم نتحدث في يوم من الأيام عن المقاومة إلا كمبدأ، فإذاً هي أثبتت صحة مبدأ أن ثمن المقاومة هو أقل من ثمن الاستسلام، لأن المقاومة ثمنها سريع ويمكن التأقلم معه، بينما ثمن الاستسلام هو بطيء، ويشبه الأمراض المزمنة التي تأكل الإنسان تدريجياً من دون أن يشعر، غير عكوس، ويؤدي إلى الموت التدريجي والنهائي، وإذا كان الثمن سيُدفع بكل الأحوال، لماذا لا يدفع بكرامة؟ هذا هو السؤال، يعني ستدفعون الثمن، سوف تدفعون، إن لم يكن عاجلاً فسوف يكون آجلاً، فيفضل أن تدفعوه في الوقت الذي تختارونه ومع كرامة.
المقاومة اليوم تدافع عن كل الدول العربية
وأضاف الرئيس الأسد: أثبتت صحة المبدأ السوري في أن الدفاع عن المقاومة يعني الدفاع عن الوطن، لأن غزة اليوم تدافع عن فلسطين، وفلسطين تدافع عن سورية، وفلسطين تدافع عن كل الدول العربية، كذلك هو الوضع بالنسبة للمقاومة في لبنان، المقاومة اللبنانية تدافع عن الجنوب، وتدافع عن كل لبنان وتدافع عن سورية، وتدافع عن العرب أيضاً، أُثبت صحة الموقف السوري بدعم المقاومة لأنها أثبتت، أثبتت المقاومة أنها الترياق الأقوى والأكثر فاعلية في مواجهة الطائفية، لأنها العنوان الجامع.. العنوان الوطني الجامع، والعنوان القومي الجامع، وكلنا نرى اليوم بأن المصطلحات الطائفية التي كانت توسم بها المقاومات المختلفة، اليوم انقرضت، حتى التسميات، لا يتحدث اليوم أحد عن حماس أو حزب الله، الحديث اليوم عن المقاومة، مقاومة في فلسطين، مقاومة في لبنان، هذا العنوان جامع وهذا العنوان هو الذي يطغى الآن على حساب التوافه والصغائر وما يسمون بالرويبضات، يقمعون، تعرفون الحديث الشريف، سمعتم عنه، لا أذكره بدقة حرفياً، ولكن كان الرسول الكريم يتحدث عن أنه ستأتي سنوات يصدّق فيها الكاذب ويكذّب الصادق ويخوّن المؤتمن، وصولاً إلى… وينطق الرويبضة، فقيل ما هي الرويبضة؟ قال: تافه يتحدث في أمور العامة، تخيلوا أن هذا الموضوع موجود منذ أربعة عشر قرناً، فالرويبضات هم جزء من المجتمع الإنساني، وما أكثر الرويبضات اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن لا يسمى رويبضة، يسمى خبيراً اليوم.. معظمهم خبراء.
فلسطين أثبتت أن الغرب استعماري ولم يتغير…
وتابع الرئيس الأسد: أثبتت فلسطين وخاصة ما حصل مؤخراً في غزة، أن الغرب استعماري ولم يتغير، يعني فضحت الغرب عند الغربيين الذين كانوا يصدقون المبادئ التي تطرح، من ديمقراطية، وحرية، وإنسانية وغيرها من المبادئ العظيمة التي ثبت بأنها عبارة عن خدعة كبيرة، وغيّر الواقع بالنسبة لأبناء الدول الغربية وللآخرين الذين كانوا منبهرين بالغرب بمن فيهم المنبهرون في عالمنا العربي، الذين كانوا كلما دخلوا في نقاش يقولون، في أوروبا وفي أمريكا وفي البلد الفلاني، انظر إلى، كيف يفعلون بكذا، وبالتجربة الفلانية، هذه هي حقيقة الغرب، هؤلاء الأشخاص اختفوا عن الساحة، لم ينبسوا ببنت شفة، لم يقولوا كلمة واحدة، يعني أصابهم الصمت المطلق، أُسقط في يدهم.
أظهرت أيضاً عقم السياسات الغربية وفشل السياسات الغربية، يعني اليوم الغرب ذهب باتجاه معارك في كل مكان، بدأ في أوكرانيا والوضع العسكري، الصراع مع روسيا، نتائجه الاقتصادية، ارتفاع أسعار النفط، التضخم الشديد، تراجع الاستثمارات، الانهيارات الاقتصادية التي يحاولون باحتياطاتهم لجمها، لكي لا تكون انهيارات سريعة، نسفت أسس الاقتصاد الرأسمالي الذي يفترض أن الدولة لا تتدخل، ولكن الدولة هي من يقوم بحمل هذا النظام لكي لا يثبت فشلهم التاريخي بعد أن أثبتوا بشكل، طبعاً وهمي، أن النظام الشيوعي سقط بسبب نجاحهم، ولكنهم يسقطون بسبب فشل نظامهم وفشل سياساتهم، المضائق في خطر، مضيق المندب الآن أصبح مغلقا بوجه إسرائيل، مضيق هرمز مهدد، الوضع في بحر الصين الجنوبي، القواعد الأمريكية في العراق، الحصارات الكثيرة، بدأت تؤدي لأن الغرب هو الذي أصبح محاصراً بدلاً من أن تكون أغلبية العالم هي المحاصرة، يعني يعيشون حالة تشتت قوى، لأن الغرور أصاب القوى الغربية، ولكن في الواقع الآن بدأنا نرى محدودية قوى الغرب، وهي التي بدأت تدفع الثمن من كل هذه السياسات الحمقاء.
أثبتت حرب فلسطين بالمحصلة، والمقاومات، أن التكنولوجيا أهم من السلاح وأن العقيدة أصلب من قسوة الإرهاب والإجرام، وأن الهجوم أفضل وسيلة للدفاع، وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن الانبطاح أمام الأعداء هو ليس خياراً وإنما انتحار، يعني هذه المبادئ أعتقد دروساً كبيرة جداً نتعلمها من الحروب السابقة كما قلت، توجت في غزة، ولكن لو لم تسبقها تجارب مختلفة وإنجازات سابقة أسست لانتصارات المقاومة الأخيرة، لما كان من الممكن لنا أن نستفيد من هذه الدروس.