الوحدة – نجود سقور
في عالم الأدب، هناك أصوات تكتب، ليس فقط لتُسرد الحكايات، بل لتكون جزءاً من الوجدان، نور نديم عمران كاتبة سورية وأستاذة اللغة العربية، تمثل واحدة من هذه الأصوات التي تميزت بالقدرة على التقاط اللحظات الإنسانية بكل تفاصيلها، على أن تتجاوز الكلمات لتصبح تجارب حية تشهد على الألم والأمل، الفقد والحب، والأسئلة الوجودية التي يعيشها الإنسان في أعمق لحظاته.
منذ طفولتها، كانت الكتابة بالنسبة لنور أكثر من مجرد هواية، كانت حاجة ملحة ضرورة لإعادة ترتيب واقعها الداخلي، “أكتب لأنني أحتاج إلى إصلاح ما يكسره الواقع، أو على الأقل لإعادة ترتيبه”، تقول نور، في كلمات تختصر رؤيتها العميقة للكلمة كمصدر للشفاء والتغيير
اختارت نور الأدب القصصي أكثر من الشعر، معتبرة أن القصة القصيرة هي المساحة المثالية التي تسمح لها بالتعبير المكثف والتجريب الإيقاعي، وتحويل اللحظات العابرة إلى نصوص مؤثرة، أعمالها الأدبية تلتقط تلك اللحظات المفعمة بالحياة، وتخلق منها عوالم تفتح الباب للغوص في أعماق الشخصية الإنسانية، “الكتابة مزيج من الشرارة والتجربة”، تقول نور مشيرة إلى أن الإلهام وحده لا يكفي، بل لا بد من تراكم الخبرات الحياتية والقراءات العميقة لتكوين نص قوي، تعتبر نور الكتابة مزيجاً من الإلهام والتراكم المعرفي، فالفكرة لا تكفي لتكوين نص قوي، بل يحتاج إلى خبرات وتجارب حياة، كما تقول: “أكتب حين تومض الفكرة، لكن ما يُنضجها هو ما عشته وقرأته”، هذه التجارب تشمل سنوات من العمل التربوي والإداري والمشاركة في الأعمال التطوعية.
من خلال تجربتها الشخصية، التي تنوعت بين التعليم والعمل الإداري والمشاركة في الأعمال التطوعية، تستمد نور مادة قصصها من تجاربها الحياتية وواقعها المعيش. بداية من سنوات الحرب السورية إلى التحديات التي مرت بها في مساعدة النازحين، تجد نفسها في قلب الأحداث اليومية التي تشكل العلاقات بين البشر، ما جعل نصوصها الأدبية تجسد الواقع بلمسة خيالية مليئة بالأمل والألم على حد سواء.
أما عن التوازن بين الكتابة وحياتها اليومية، فتؤمن نور بأن الكتابة ليست رفاهية مؤجلة، بل جزء لا يتجزأ من حياتها، “أخلق وقتي كما تُخلق القصص، من الفراغات الصغيرة.” هي تكتب في لحظات فراغ أو صمت بين المشاغل اليومية، مؤمنة أن الإبداع لا يحتاج إلى رفاهية الوقت بقدر ما يحتاج إلى القدرة على العثور على المساحة التي يمكن أن تنمو فيها الأفكار.
رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها في نشر أعمالها، إلا أن نور تؤمن بأهمية وصول كتاباتها إلى القارئ الذي يعرف كيف يصغي للكلمات، “النشر تحدٍّ للجميع، لكن ما يهمني هو أن تصل كتاباتي إلى القارئ الذي يعرف كيف يصغي”، تقول نور: رافضة أن تكون الكتابة مجرد فعل استعراضي، بل سعياً لتحقيق اتصال حقيقي مع القارئ.
كما تحلم نور بأن تترك بصمة في الأدب العربي وأن تكتب عملاً يُقرأ بعد سنوات، لا يفقد قيمته.”عملاً يضع القارئ أمام مرآته الخاصة لا أمام الكاتب.”
وفي هذا السياق، تصف حلمها بمدرسة للخيال، “مدرسة صغيرة تحمل اسمي في ذاكرة القراء”، حيث تؤمن بأن الأدب ليس مجرد كلمات مكتوبة، بل أداة لبناء ثقافة جديدة تشجع على التفكير الجريء وإعادة ترتيب العالم.
أما عن تأثيرات الكتاب الذين شكلوا أسلوبها، تذكر نور الأسماء الكبرى مثل تشيخوف، غسان كنفاني، وعيسى بعجانو، هؤلاء الكتاب الذين يلتقطون الإنسان في لحظته العارية، شكلوا إلهاماً رئيسياً لها في رسم الداخل البشري بدقة، وكتابة الحقيقة كما يكتبون الفن.
تعدّ نور نديم عمران واحدة من الأسماء الأدبية البارزة في العالم العربي، وقد فازت بالعديد من الجوائز، مثل جائزة أفضل قصة قصيرة في الوطن العربي عام 1997، أعمالها المنشورة، مثل مجموعات “من ذاكرة الورد” و”أموية الهوى” وكتاب “أحلام نور” للأطفال، لاقت صدى واسعاً، وأثرت في أجيال من القراء.