الوحدة:19-11-2023
للهوى أشكال: منه ما يحملك فوق جناحين من سحاب، ويحلق بك نحو فضاءات لاتحد… يهدهدك بنعومة وتداعب وجنتيك رطوبته المحببة، فتغفو مستسلماً كطفل عانى من عذاب الأرق، وتبدأ الصور الجميلة تمر في مخيلتك فيرقص القلب بخفر حتى لايوقظك من إغفاءاتك الوردية !!
ومنه مايفتت روحك حين يكبلك بأغلاله الغليظة الباردة الصدئة، التي تشد بقسوة على جسدك الناحل حتى تسمع أنين أضلاعك الناتئة تتشظى تحت وطأة الألم العنيف وغصة النشيج الخفي.
ومنه ما يأخذ شكل الاعتياد، فتجده ينوس ويتأجج ثم يخبو من جديد، وتتراجع الدهشة شيئاً فشيئاً ليصبح شبيهاً بأي طقس من طقوس الحياة، تمارسه بشغف حيناً وكواجب حيناً آخر: لكنه في كلتا الحالتين تجده باهتاً مثل الكرسيٍّ الملون الذي رمي ردحاً من الزمن على شاطئ ناءٍ تجتاحه شمس حارقة على مدى الأيام.
على وقع هذا التشرذم، تحمل حيرتك في جعبة التساؤلات المعلنة والسرية، وترحل متكئاً على عصا البحث عن الذات في دروب طويلة لا نهاية لها تحف الأشجار بجوانبها، ويتضمخ هواؤها بشذا ورود مبعثرة على أطرافها تمشي الهوينا، تلتقط دمعات الوريقات الخضر وتصغي إلى أنفاس عناقيد العنب المشبعة بالحلاوة، وتتحسس غبار طلع البنفسج والنرجس والجلنار والحبق والياسمين لتطمئن على مستقبل المشاعر بين البشر !!
أين الهوى الذي تغنى به الشعراء وحيكت عنه قصص الجنون ؟!
أين القصائد التي رتلت عن ضفيرة مجدولة بالحلم ؟
أين رسائل الغرام التي تشعل الحنين؟..
أين وجه القمر في الليالي الصافية ؟
أين ضوء النهار المنتظر ؟
أين صوت أمواج البحار الذي يحمل أسرار بوحنا الشارد بين رمال الشواطئ؟.
أين أنت من كل هذا وذاك ؟
تجثو على ركبتيك، وتخبو رويداً رويداً في عتمة المساء، وأنت تفتش بين ذرات التراب عن إجابات طال انتظارها، فترتسم آلاف الحروف المبعثرة لكنك لاتستطيع تشكيل جملة منها، فقد أضعت فن بناء الكلمات وفقدت دفقة المشاعر النابضة بالحياة!
مع ذلك تنهض من جديد وتتابع مشوارك الأبدي محاولاً ضم المعاني في باقة هوى ضائعة واحدة لا مكان فيها للأشواك التي تدمي الأنامل والقلوب.
باقة بجناحين من غمام تحملك إلى فضاءات لاتحد بعيداً عن الأغلال الغليظة الباردة التي تسحق الروح.
لمي معروف