أمهــــات الشــــهداء.. يكــبرنَ على الجــــرح

العدد: 9362

10-6-2019

 

غناؤها لا يصمت ولا يهدأ، لتدوي كلماتها وتخترق جدار المكان وغلاف القلب، والعين تدمع لتروي عطش دروب الفراق وأيام البعاد، إذ الشوق يمتد لمساحات ومسافات في أمل لقاء..
تكريم ضم أكثر من عشرين أم شهيد أقامته أسرة المحطة المكتبية في قسمين والذي أشيد بعطاء ذوي الشهيد باسل علي ورفاق دربه، وكانت الآنسة هيام علي أخت الشهيد باسل قد رحبت بالسادة الحضور من أمهات شهداء ومسؤولين من مجلس المحافظة الذين تعهدوا الاستماع والإنصات لأوجاع الأمهات ورفع شؤونهم وشجونهم بحلول، ليعلو صوت أم الشهيد غيث حميشة بتراتيلها وصلواتها وأناشيدها، فولدها أول شهيد بضيعة الكنيسات استشهد بجسر الشغور 2011 تغني وتضرب على الوتر الحساس لتنال منهن الفؤاد: (قلي هي موتة.. قلتلو دخيلك ما تروح.. قلي ما بقدر سامحيني يا أمي..)

تهدأ قليلاً وتقول: يكفينا السيد الرئيس بشار الأسد أنه شاركنا الحزن وأوصى بأولادهم وكرمهم، ولدي دفن قريباً مني في روضة شهداء بسنادا لأزوره كل وقت وحين.
أم الشهيدين (وسام و نميرغازي حسن) تقول: تركوا لي أولادهم ورحلوا بعيداً، وأنا اليوم موعودة بهم وآمل قدومهم لمعايدتي كما كان آباؤهم يفعلون، وسام ضابط استشهد بمطار النيرب لديه ثلاثة أولاد، بنتان وصبي يسكنون مع والدتهم في حي الحمام دفن هنا في الكنيسات ونمير استشهد بمعارك كسب وقد خلّف وراءه ولدين، رحلوا لكنّ ذكرهم باق بشهادتهم وكرمهم الذي ليس له حدود، بقي لي من الأولاد ضابطان ومثلهما مدنيان.
أم الشهيد علي سمير صقر تتلوى في مكانها والوجه يغتسل بالدمع، منذ سبع سنوات لم يأت لمعايدتي وقد غفرت له فليرجع، ذهب لأجل أن يكون بين رفاقه في الجبهات والمعارك وكان أن فقدناه في غياهب حرب وازرة، لا أعلم إن كان حياً يرزق وقد وعدني أن يعود سالماً منعماً بالنصر أو شهيداً، لست مؤمنة بأنه مفقود ولم يعتبروه شهيداً، عذابي كبير ولا أرى بريق أمل بعودته.

أم الشهيد أيمن نظام من رويسة قسمين استشهد بحرستا 2014 وهو كبير إخوته، تمنت لو أنها فرحت به وزوجته ورأت أولاده، لكانت خير من يصون الأمانة وهو الذي قد أكرمها وأعزها بشهادته تقول: أنا أم البطل، أم أيمن.
أم الشهيد حسين فيصل نظام يختنق صوتها بغصة تعترض مفرداتها وتشير إلى أن ولدها ترك جامعته وهو من طلاب كلية الآداب، فرنسي ليرافق أبناء وطنه في الدفاع عن أرضه وصون كرامة أهله، كان سيتخرج من كليته فلم يبق غير ثلاث مواد، لكن نداء تملكه وهاجساً تمكن في نفسه ليهب مسرعاً ولا يعير كلامي اهتماماً ليحمل السلاح في وجه الإهاب في حماة، لم يأت غير مرة بإجازة قصيرة زارها فيها، تقول: كنت أهاتفه يومياً وهو يطمئني ليهدأ قلبي قليلاً وأنا التي أسمع ضجيجه في صدره كما أسمع دوياً وصراخاً بجانبه، ليقول لي: الأمور تمام، فقط أريد دعاءك يا أمي، إلى أن استشهد منذ ستة أشهر فقط.
بادرتني بقولها أم الشهيد فادي وكنت قد اقتربت منها: جرحي ما زال ينزف، ثلاث سنوات مرت على غيابه واستشهاده في القنيطرة ولم يصلني جثمانه لأواريه ثرى حديقتي، فضّل أن يكون مع رفاق دربه الذين استبسلوا وحققوا النصر والشهادة ليصل بهم الأمر أن يدفنوا في قبر واحد ألم بأجسادهم الطاهرة وكيف لا يفضلهم علي وهو من رجال الله الذين خيروا فاختاروا الشهادة على الحياة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وكان يأتي بإجازة لم يكملها مرة، حتى أنه قطعها مرة من أولها وكنت أعمل له (كبة) اشتهاها وطلبها مني ولم ينتظر ليتذوقها عند سماعه بشهادة رفيقه، اصفر وجهه وخيم الألم على نفسه كالملسوع وأنا أصرخ به وأسأله ماذا هناك حبيبي؟ هو يجمع أغراضه في الحقيبة وأنبهه أنه وصل اليوم وبقي في إجازته يومان فيرد متشبثاً بقوله: إنه رفيقي وأخي فكيف يمكنني عنه البعاد في المصاب، كما أني غير مطمئن على رفاقي وكفاني أنك بخير، أريد الرجوع إليهم لأكون معهم في معركتهم وأشاركهم النصر أو الشهادة، اعذريني أمي وسامحيني ولا تحزني سيكون لنا يوماً تعم فيه الأفراح.

أم الشهيد اسماعيل علي حميشة من الكنيسات تقول: الله يرحم الشهداء وحبيبي اسماعيل زهرة حياتي، عندي ثمانية شباب جميعهم من رجال الجيش العربي السوري وعندي جريحان سرحا لأجل إصابتهما، محمود أصيب ثلاث مرات في جوبر والمليحة ودرعا ولم يقعد في الدار إلى أن كانت إصابته الأخيرة التي لم يعد فيها قادراً على حمل السلاح، أما أحمد إصابته في حماة بطلق ناري في قدمه وأتى إلي مضرجاً بدمائه فأتيت له بالطبيب إلى البيت، وأنا أجريت لي عملية شبكة قلبية كلفتني الكثير وكان بعض أصحاب الخير أن أحسنوا علي بتكلفة العملية كل الشكر لهم، الحالة ضيقة وتعبانة لكن الحمد لله على كل شيء، الحمد لله الدنيا (لسى) بخير بناسها الطيبين الكريمين.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار