الرجلُ الاستثناءُ في الزمنِ الاستثناء

العدد: 9362

10-6-2019

العظماءُ همْ وحدهم من يصنعونَ التاريخ، وهم وحدهم من يَدينَ لهم التاريخ، ووحدهم أيضاً من يسكنونَ التاريخ، وإذا ما أردتَ أن تكتبَ عن العظماءِ فهذا يعني أنّك قد حسمتَ أمركَ على الخروجِ من دائرةِ الصمت وما تخبّئهُ في أعماقها من أسرارٍ وخفايا، وقد عقدتَ عزمكَ على الدخولِ في دائرةِ النُّطقِ لتدلي بالحقيقةِ، وتكونَ قد أسرجتَ خيلَ الجرأةِ وصمَّمتَ على خوضِ شوط غمارها لتقفَ في النهايةِ أمامَ التّاريخ والمنطقِ وقفةَ الحرِّ وتقولَ ما لا يقال، ولكم هو صعبٌ وشاقٌّ دخولَ محرابِ عظيمٍ من عظماءِ العصر، وقائدٍ من قاداتهِ، وكيفَ لا ومن دخلتَ محرابهِ هو واحدٌ من أولئكَ العظماءِ الذين سكنوا ذاكرةَ التّاريخِ، لا بل قلبهُ وعقلهُ، وباتوا إحدى علاماتهِ الفارقة، نعم كيف لا وذاكَ العظيمُ القائدُ هو القائد حافظُ الأسد، حافظُ الأسد الذي جاءَ على بُراقٍ، ورحلَ أيضاً على بُراق، وكلا البُراقينِ مُهرا باسمهِ، فعلى بُراقِ الإرادةِ والمقاومةِ والحنكةِ أتى، وعلى بُراقِ الكرامةِ والمجدِ والنَّصرِ رحل، وما بينَ البُراقينِ ما خلَّدهُ التّاريخُ، وخطَّت سِفْرَهُ البلاغةُ، وعزفتْ ألحانهُ أسودُ وعقبانُ تشرينَ، و طربَ لهُ أرزَ لبنان، ورَدّدهُ قاسيونُ، وثَمِلَ بخمرهِ الجنوب ولاحتْ شمسهُ في سماءِ الشرقِ.
حافظُ الأسد الرجلُ الاستثناءُ في الزمنِ الاستثناء، هو الرجلُ الذي جاءَ وفي قلبهِ نبضُ عزمٍ وأمل، وفي عينيهِ حلمُ نصرٍ أحمرٍ، جاءَ وسورية الحسناءُ الحصان التي خادعت الظلامَ وهرعت للقاءِ فارسِ أحلامها القادمَ على صهواتِ ريحٍ هوجاءَ، فغدا الحلمُ حقيقةً، وتمَّ اللقاءُ وغدت فيما بعدُ سورية الأسد ! بعدَ أنْ مهرها ثلاثينَ دهراً من مجدٍ ورفعةٍ وسُؤددٍ.
حافظُ الأسد هو الفارسُ النّبيلُ الذي ألوى بعنانِ التّاريخِ في تشرينِ التّحرير حينَ تنكّرَ التّاريخ، وهو الذي أسلسَ لهُ القيادَ في بيروتَ مُمَزّقاً أحلامَ شارون، وهو الفارسُ الذي وضعَ قواعدَ اللعبةِ واختارَ مكانها ووقتها فكانَ تحريرُ الجنوب،
وهو ذاكَ القائدُ الفارسُ الذي أسقطَ ببَيانهِ وحجّتهِ أساطيرَ الخريفِ العربيّ التي أدمنتِ الخنوعَ والذلَّ والعمالةَ والمتاجرةَ بأحلامِ شعوبها مُعيداً التّاريخ لرُشدهِ، فإذا بهِ أسطورةُ أمَّةٍ أنجبت نصرَ تمّوزَ المُؤزّز، وحكيمُ وطنٍ استشفَّ القادمَ واستشرفَ المستقبلَ مُحذّراً ومُنَبّهاً، وأيقونةَ نصرٍ موعودٍ، وحكايةً لا تنتهي!
وما الثمانيةُ العجافُ التي ألقت بظلامها وجاهليتها على سورية إلا الشّاهدُ العدلُ على عظمةِ القائدِ الخالدِ وصدقِ نُبوءتهِ، وما هي إلا الدّليلُ السّاطعُ على صلابةِ ذاكَ الفارسِ الذي لطالما حاولوا النيلَ منهَ فخابوا، وحاولوا إخضاعهِ فذُلّوا، وحاولوا استمالتهُ فخسئوا، وحاولوا تجاوزهُ فتعثّروا بصخورِ عبقريتهِ وإيمانهِ، وما هذه البدعَةُ النّكراءُ والكذبةُ الشّوهاءُ /الربيع العربي/ إلا ذلكَ الطوفانُ الذي لطالما حذّرَ منهُ القائدُ الخالدُ حافظ الأسد، وكشفَ أسرارهُ، وعرَّى أزلامهُ وأذاقهم مرارةَ علقمهِ طيلةَ الثلاثينَ عاماً المنصرمة، واليومَ ونحنُ نعيشُ ذكرى رحيلهِ التاسعةَ عشرةَ نقفُ وأيدينا على قلوبنا مرفوعي الهاماتِ اعتزازاً بما حقَّقهُ جيشنا الأسطوريّ الذي بناهُ القائدُ الخالدُ وسهرَ الشهورَ والسنينَ على رعايتهِ وشحذِ همَمِ جنودهِ وتدعيمهِ بكلِّ مستلزماتِ الصمودِ والنّضال.
هذا الجيشُ الذي لطالما راهنَ عليهِ القائدُ الخالدُ والذي أثبتَ صدقَ رهانِ قائدهِ ومؤسّسهِ، حيثُ ثقافةُ الشهادةِ هي الثقافةُ المنتصرةُ رغمَ التآمرِ والخيانةِ والعمالةِ.
في الذكرى التاسعة عشرة للرحيل نقول: رحمكَ الله أيُّها القائدُ الإنسان، فما تربّينا عليه في مدرستكَ من مبادئَ وقيمٍ كانَ ضماننا الأوحد، وحصننا الأمنع، وطريقنا نحو النّصرِ الآتي، وسيبقى المبنى والمعنى لوجودنا وعزاؤنا الكبير بحامي العرين ورمز المقاومة ومعقلِ الشرف والكرامة، الفريق المفدّى الدكتور بشار حافظ الأسد.

حيان محمد الحسن

تصفح المزيد..
آخر الأخبار