على طــــــــريق إعــــادة الإعمـــــار «15» البيئة.. ضبط مصادر التلوث وتفعـــــــــيل دور الرقابة البيئية

العدد: 9361

الأحد-9-6-2019

 

 

 

سال حبر كثير عن تداعيات الحرب وآثارها الكبيرة على شتى قطاعات وجوانب الحياة في وطننا الغالي سورية، وعلى اختلاف درجات الضرر وفق هذه القطاعات كان الساحل السوري الأقل ضرراً تبعاً لقلة الأعمال العسكرية التي جرت فيه قياساً بالمناطق الأخرى، الأمر الذي خلّف تبعات أقل على مستوى الدمار والأضرار الأخرى.
عملية إعادة الإعمار بعد سنين عجاف عملية بالغة التعقيد، تحتاج إلى ورشات دراسة متعاضدة على مستوى البلد بمجمله تلحظ بفكر شامل جميع جوانب الحياة بلا استثناء من بشر وحجر غير غافلة لضرورة التحديث والتطوير وإعادة تنظيم وإنجاز هذه العملية بمنهجية متطورة وفق أحدث ما وصلت إليه عقلية التجديد لدى الإنسان الحالي العاشق لكل ما يخدم حياة إنسانية أعمق وأفضل، ومن الضرورة بمكان أن نبدأ أولاً بمجال البيئة التي تشغل المهتمين على مساحة الكوكب الأزرق بكل مسؤولية الحفاظ على بيئة نقية، صحية نعيش بها بأمان ونورثها بأمانة للأجيال القادمة، نبدأ بإصلاح ما تضرر بفعل الثقل السكاني الكبير الناجم عن وفود أهلنا النازحين من المناطق الداخلية هرباً من وحشية الجماعات الإرهابية فيما يخص ميادين الخدمات بشكل عام والبيئية بشكل خاص، وصولاً إلى الانطلاق بخطوات حثيثة مدروسة يتحول فيه ساحلنا الجميل إلى أجمل وأنقى بقاع المعمورة كما كان.
توقفنا عند نقاط عدة علنا نحد حلولاً ناجعة لمشكلات تعترض البيئة لجأنا إلى أخصائيين في البيئة من مجالات متعددة.

وضع استراتيجية واضحة لإدارة البيئة
د. أحمد قره علي، دكتوراه في الكيمياء التحليلية، منسق لبرنامج تمرين المقارنة الدولية التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية في مجال دراسة التلوث البيئي في العينات البيئية: هناك العديد من التحديات التي تواجه البيئة في الساحل السوري، هذا الساحل الذي يبلغ طوله 183 كم حيث تشكل المنطقة الساحلية 2% من المساحة الإجمالية لسورية ويقطنها حوالي 11% من نسبة السكان ويبلغ الناتج الوطني الإجمالي حوالي11% ولكن في هذه الفترة نسبة قاطنيه أكثر بكثير من 11% وهذا يشكل ضغطاً كبيراً على هذه المساحة الصغيرة، إذ إننا نواجه مشاكل تلوث البيئة منذ سنوات ليست بالقليلة لذلك فإن الاستمرار في التطور الحاصل للساحل السوري يجب أن يعتمد على التقديرات المستندة على أسس علمية والتنبؤ بالآثار السلبية لإيجاد سبل إدارة البيئة الساحلية بالشكل الأفضل، فهناك العديد من المنشآت الصناعية الكبرى المقامة على الشريط الساحلي والتي تصب منصرفاتها إلى البحر مباشرةً، هذه المنشآت تساهم في ارتفاع الـBOD ، الـ COD، TSS، TDS إضافة إلى العديد من الملوثات الخطرة الأخرى، حيث أن الدراسات الحديثة في السنوات الأخيرة اهتمت بالإجهاد البيئي أي الآثار والتغيرات التي تحصل على المراتب المتسلسلة للنظام البيئي البحري، لذلك لا بد من وضع استراتيجية واضحة لإدارة البيئة بحيث تتم إدارة وضبط مصادر التلوث التي تنتقل إلى البيئة مباشرة (مقترح)
هناك العديد من المؤثرات السلبية على البيئة الساحلية ومنها: زيادة الأنشطة الصناعية تنظيمها وفق الأنظمة البيئة وشروط الايزو البيئية، والأنشطة الزراعية تنظيمها وفق معايير الزراعة الخضراء البعيدة عن استخدام المواد الكيميائية كالمبيدات والأسمدة وبعض الهرمونات إلا بشروط صارمة ومراقبة، الصرف الصحي معالجته وإعادة تدويره. ثم تحدث د.قره علي عن التلوث ومصادره:
الصــــــــــرف الصحي
يصبّ الصرف الصحي في الساحل السوري في البحر دون معالجة مسبقة إضافة لذلك لا يوجد فصل بين المياه المنزلية وتصريف مياه الأمطار وحتى الصرف الصناعي وهذا ما يجعل عمليات معالجة الصرف معقدة حيث تتدفق مئات الأمتار المكعبة يومياً من الصرف المنزلي إلى شاطئ محافظة اللاذقية وشاطئ طرطوس وبانياس، حيث أن غالبيتها غير معالج، وتشير هذه النتائج إلى حمولات كبيرة تصل إلى البحر والتي تؤثر على نوعية مياه البحر حيث يؤدي ذلك إلى زيادة قيمة الـBOD وقيمةالـ COD
النفـــــــــايات الصلبة
يتم تجميع النفايات الصلبة في المدن الساحلية الرئيسة الأربعة في المنطقة القريبة جداً من البحر (اللاذقية) وهناك آلاف الأطنان ترمى حيث يتم تحويل منها بشكل قليل إلى سماد ويبقى الأكبر متوضعة في المنطقة الساحلية مؤثرةً على النشاط البيولوجي البحري كاللافقاريات البحرية مثل السلاحف البحرية.
فرز وإعادة تدوير هذه النفايات
أهم التحديات المستقبلية
هناك نوع من التدهور البيئي، كيف نمنع هذا التدهور؟ كيف نعالج الأضرار التي حدثت بالفعل؟ كيف نحافظ على الأنواع المهددة بالانقراض؟ تعميق البحوث وتحديد الأولويات وإقامة المحميات، كيف نواكب التحديات المستقبلية على مستوى الوطن للتقليل من هذا التلوث وبالتالي التقليل من التدهور البيئي؟
الأضرار الناتجة عن التدهور البيئي
ظهور مشاكل بيئية، اختلال في التنوع الحيوي، انتشار الملوثات في الترب الزراعية مما يشكل صعوبة في الحصول على غذاء صحي للإنسان تطبيق شروط صارمة في الزراعة.
نسب متزايدة للعناصر الثقيلة ضبط انتشار التلوث
نسب متزايدة من البلاستك هنا تجربة رائدة أقوم بها وهو اصطناع البلاستيك الحيوي من الطحالب ومن زهرة النيل ميزة هذا البلاستيك قابل للتحلل يقلل الكلفة الاقتصادية ويقلل انبعاث غاز CO2 .
صعوبة في معالجة الصرف الصحي، تطوير طرق المعالجة هنا لدينا تجربة مهمة وهو تطبيق تقانة النانو في إزالة العناصر الثقيلة من مياه الصرف وبينت النتائج الأولية عن إزالة نسب عالية من النحاس من الصرف الصحي، زيادة في الرطوبة الجوية نتيجة الارتفاع المطرد لدرجة الحرارة وهنا لدينا تجربة مهمة وهو إيجاد مورد جديد للمياه وهو اصطياد الرطوبة وتحويلها إلى مياه صالحة للشرب والاستخدامات الأخرى ويتم الآن استخدام مادة كيميائية جديدة قيد التجريب من قبلنا.
من خلال ذلك نجد أن التطور الاقتصادي يستلزم تكاليف بيئية كبيرة خاصة إذا كانت عملية التنمية غير مستدامة وتركز على الجانب الاقتصادي والعائد المباشر من المشاريع وإهمال الآثار البيئية المترتبة عن عملية التنمية غير المستدامة.
تعد تكاليف تدهور نوعية البيئة من الكلف الخفية غير المحسوسة ولكن تظهر آثارها بأشكال صحية واقتصادية مثل الوفيات بالأمراض المرتبطة بالتدهور البيئي وتدهور الإنتاج الزراعي.
إن تكلفة التدهور البيئي تتضمن الاحتساب أو التقدير المالي للآثار الحالية والمستقبلية الناجمة عن الأضرار البيئية ويكون التقدير النهائي لكلفة التدهور البيئي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.
يسمح هذا المؤشر بمقارنة تكاليف الأنواع المختلفة من التدهور البيئي (تدهور نوعية المياه، تدهور نوعية الهواء، تدهور نوعية التربة ….إلخ) مع بعضها بعض ومعرفة أي من تلك الأنواع يشكل القطاع الأكثر كلفة مما يسهل على صانعي القرار وواضعي الخطط لحل المشاكل المرتبطة بالتلوث من خلال تخصيص الأموال اللازمة.
مـــــــــــاء الجفــــــت
من أهم المشكلات الناتجة عن معاصر الزيتون ويؤثر على المياه الجوفية.
م. تميم فائق علي رئيس دائرة البيئة بمديرية الموارد المائية أشار إلى أن شجرة الزيتون من الأشجار المباركة والاقتصادية في المنطقة الساحلية، وهي مورد رئيس من موارد الدخل للمزارعين، وتؤمن العديد من فرص العمل، وبالمقابل، تعد عملية عصر الزيتون من العمليات الملوثة للبيئة بشكل كبير، وذلك بسبب ما ينتج عن عملية العصر من مواد سائلة ومواد صلبة، وحتى تاريخه تعتبر الحلول المتداولة في التخلص من نواتج عملية العصر غير مجدية، حيث أن صرف مخلفات عصر الزيتون إلى البيئة المحيطة يتم بشكل عشوائي.
وتؤثر هذه المخلفات بشكل كبير على المسطحات المائية والمجاري والمسيلات المائية، وبالتالي تؤثر على البيئة النهرية والأسماك، كما يعد ماء الجفت من أهم المشكلات الناتجة عن معاصر الزيتون والتي تؤثر على نوعية المياه الجوفية.
وفي كل عام يلاحظ تلوث مياه السواقي والأنهار والمسطحات المائية بماء الجفت، وينتج ذلك عن عدم التزام أصحاب منشآت عصر الزيتون بالقوانين النافذة والتخلص من مياه الجفت بصورة غير علمية تتمثل برمي المخلفات السائلة إلى شبكات الصرف الصحي أو إلى المسيلات المائية بشكل مباشر.
زيت الزيتون ثروة للمزارع والوطن وكارثة على البيئة والمياه الجوفية، ويمكن حلها بإتباع التعليمات والشروط التي تضعها وزارة الزراعة للتخلص من مياه الجفت في الأراضي الزراعية وإنشاء مناطق صناعية تجمَّع فيها المعاصر وإقامة محطة معالجة لمياه الجفت الناتجة من هذا التجمع.
وفي إطار آخر تحدث المهندس تميم عن التلوث الناتج عن مكبات النفايات الصلبة وأشار إلى أن للتطور الحضاري الإنساني تبعات سيئة على البيئة المحيطة به، حيث تؤثر نفاياته الصلبة على عناصر البيئة المتعددة (المنظر الجمالي، الروائح والحرائق، انتشار القوارض والذباب، انتشار المسببات المرضية، والأهم من كل ذلك تلوث المياه الجوفية).
تعاني منظومة الإدارة المحلية من مشكلة النفايات الصلبة، وصعوبة التخلص منها بالطرق البدائية القديمة، وبسبب ازدياد كمياتها، وضعف الإمكانيات، فقد تم التخلص منها عن طريق إنشاء مكبات عشوائية انتشرت على مساحات واسعة، إضافة إلى التخلص من النفايات الصلبة من قبل المواطنين بطرق فردية بجوار الطرق العامة ومناطق تقاطع المسيلات المائية مع الطرق العامة أي تحت الجسور.
وإن تجميع مكبات القمامة في موقع واحد له آثاره السلبية من حيث تكلفة النقل واستهلاك الآليات التابعة للوحدات الإدارية بشكل سيىء وتشويه المنظر الجمالي على الطرقات حيث تبدو جرارات نقل القمامة وهي تنثر الأكياس السوداء على طول الطريق.
إن الأثر المرعب للعصارة الناتجة عن مكبات النفايات الصلبة بما تحويه من كافة أنواع الملوثات الجرثومية والكيميائية والعناصر الثقيلة هو وصول هذه العصارة إلى الأحواض المغذية للينابيع أو الآبار وبالتالي تلوث هذه المصادر المائية وخروجها عن الخدمة أو استثمارها بشكل غير صحيح وما لهذا من تأثير على صحة الجميع ورفع الفاتورة الطبية التي ترهق كاهل الفرد والمجتمع، وتمت دراسة طرق حل هذه المشكلة في العديد من الاجتماعات والندوات والبحوث، وتبين أنه لا يمكن الوصول إلى حلول ناجعة لمشكلة النفايات الصلبة إلا باتباع طريقة الفرز من المصدر وإقامة معامل تدوير النفايات، واستغلالها في تأمين وارد مالي للهيئات الإدارية أو إيجاد حلول لمشكلة الطاقة عن طريق الاستفادة من آخر ما توصلت إليه العلوم الحديثة في استثمار النفايات الصلبة في توليد الطاقة.
تفعيل الرقابة البيئية
هذا ما أضافه د. زياد صلاح حاتم دكتوراه في كلية الهندسة الزراعية، قسم علوم التربة والمياه وشدد على ضرورة تفعيل الرقابة البيئية، إن الواقع البيئي الراهن هو انعكاس صريح مباشر وغير مباشر للممارسات البشرية في المجتمع السوري في غضون العقود الأخيرة، إن تطور المجتمع السوري في الميدان الزراعي والصناعي والخدمي في ظل الحداثة ،هو بلا شك له عواقبه ولا يتحملها إلا المجتمع السوري بحد ذاته وبيئته المحيطة، فعلى سبيل المثال التطور الزراعي هو جلي بالإفراط في الأسمدة الزراعية والنشاط المكثف في زراعة البيوت المحمية، وهو من أهم الأمثلة الواقعية والتحديات التي ينبغي علينا تحليلها، إن استنهاض وإعمار البيئة المحلية إن كان من آثار الحرب المفروضة علينا أولا أو من آثار الحداثة ثانياً وهذا يستدعي حلاً له جانبان:
أولاً: على مستوى المؤسسة ينبغي لمؤسسة كمديريات البيئة أن يكون فيها فرق عمل ميدانية على مستوى النظم البيئية الأساسية كحوض السن والساحل البحري.. إلخ، تقوم بتحليل دوري للملوثات الصناعية وبالأخص في فترة نشاط معاصر الزيتون على سبيل المثال إذ لا يكفي الكوادر الموكلة من قبل مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي مهما فعلت أن تحصر التجاوزات في وضع ماء الجفت في المسايل المائية ولا يكفي الدعم المادي لأصحاب المعاصر مهما بلغت في تحجيم التجاوزات على البيئة الزراعية.
بيئة الطبيعية
على مستوى المجتمع المحلي: إن إعمار البيئة الطبيعية لاينفصل أي انفصال عن ثقافة المجتمع المحلي وبالتالي وضع منهجية تربوية لبناء إنسان مسؤول عن بيئته وعن نفسه.
الجانب الثاني: معالجة التلوث بالطريقة السلبية بأن نترك المسبب ونتجه إلى المصبّ.
محطات معالجة مغلقة
توقفنا مع الباحث د. ماهر دعيّس في مركز البحوث العلمية الزراعية لإعطائنا حلول علمية دقيقة حول كيفية إعادة إعمار البيئة: عن طريق محطات المعالجة، أولاً في مكب البصة يجب إقامة محطة معالجة مغلقة ومنها نحصل على وقود حيوي وتقسيم محطة المعالجة إلى محطات صغيرة يستفاد منها في الحصول على وقود حيوي، لأن عمليات الحرق ينتج عنها مركبات مسرطنة وأهمها الهيدروكربونات الحلقية العطرية بالإضافة إلى مركبات btxe غير التلوث، وثانياً: محطات معالجة ضخمة ضمن المنطقة الصناعية أو محطات معالجة صغيرة ضمن كل معمل بحيث يتم المراقبة من قبل وزارة الإدارة المحلية والبيئة على مخرجات كل معمل (من خلال المراقبة يتم التحكم بالجودة الذاهبة إلى الأنهار، وتعد المنطقة الصناعة ثاني مشكلة على مستوى الساحل إذ إنها ثاني ملوث لنهر الكبير الشمالي وثالثاً محطات معالجة ضمن المشافي لها تأثير هرموني على الكائنات الحية وعلى البشر، التخلص من الملوثات وخاصة العضوية (مراقبة من وزارة البيئة) قسم من الملوثات يجب أن يتم حرقها ضمن أوتوكلاف للتخلص منها من دون أن ينتج عنها غازات ضارة بالبيئة) إضافة إلى ضرورة رفع مستوى التوعية الصحية والثقافية من خلال برامج ثقافية أما عن أهم الحلول فتتجسد فيما يلي: التخلص من الملوثات والمواد العالقة والطافية (فلاتر رملية) وتحويل المواد العضوية القابلة للتحلل بيولوجياً إلى مواد بسيطة غير مؤذية للبيئة (تقنية الكلورة ) وهي الأخرى أيضاً تسبب خطراً فالأفضل الفلورة ليس لها تأثيرات والتخلص من الكائنات والمواد المسببة للأمراض عن طريق الكلورة أو الفلورة.

نور محمد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار