العــــــــــــــدد 9356
الثلاثاء 28 أيــــــار 2019
في عين البصر والبصيرة قراءة دائمة لنبض الحياة والروح، يتسع مداها لتظل بلا حدود ولا آفاق، إنما تدور في فلك الزمن تسبقه تارة، ويسبقها تارة أخرى، ونظل مع دورانها بعينين مفتوحتين تحيل الليل إلى نهار.
القراءة أوكسجين العيش ودلائله، إذا ستظل القراءة نبراس الطريق لذا وفي كل الأزمان قراءة واحدة تخبر الحال عن واقع القراءة والطموحات التقينا مجموعة سورية ناضجة بفهم قيمة القراءة وأهميتها في صنع التاريخ فكان لنا على طاولة القراءة هذه الحوارات:
القراءة وأهميتها في تكوين الشخصية الفردية والجمعية وهويتها؟
الطبيب نبيل زمام: القراءة طاقة يطل منها نور العقل على ظلام الوهم, إنها باب الشراكة مع عقول المبدعين ومن شارك الآخرين عقولهم ما خاب, كل حضارات الدنيا ضمّنت ثقافاتها وإبداعاتها بين دفّات الكتب ويموت الكاتب والقارئ لكن الأفكار لا تموت، القراءة هي الشرارة التي تحرّض الخيال فيحلق خارج حدود القواقع التي يعيش كل منّا فيها ولا يخرج من منافذها إلا بذلك الساحر، الكتاب من هنا كانت ضرورة المنتديات الثقافية التي مادتها الكتاب ومنها مجموعتنا (فتح كتاب) عندما نحدد كتاباً في كل جلسة فنبحر سويّةً على شواطئه ونغوص معاً في أعماقه فيعرض كلٌ زاوية رؤيته وتتلاقح الأفكار والرؤى لنخرج معاً برؤيةٍ جماعية نكون حققنا الهدف الأسمى وهو مشاركة العقول, أدخل إلى تلك الجلسة بعينين فأخرج منها بأربعين أو خمسين وتتلاحق الجلسات ويتوسّع المخزون ليغدو كنزاً, إنها روح الجماعة وما أجملها حين تكون مادتها كتاب.
الأمية عجز فكيف نمحوها
يقال إن الأمية هي العجز عن قراءة الأهداف، إضافة إلى العجز عن القراءة، في واقع عربي تاهت أهدافه بين صدامات وحروب عدة، كيف يمكن للقراءة أن تسهم في محو هذه الأمية؟
الموجهة التربوية عبير ملحم: نشاط فتح كتاب هو حالة جميلة إيجابية يتميز فيها المجتمع في اللاذقية بتنوعه الثقافي والمجتمعي والسياسي, عاش هذا التنوع القرنفلي الفريد رغم آلام الحرب المفجعة، عَصَر هذه الآلام وأخرج منها خمرة خاصة وشربها، فإذا بها عصارة حوار فكري نقي الهوى, من أهم ميزاته أنه مختلف الذرات لكنه جزيء كامل التشكيل، في حالة الحرب لا انفصام بين الفكر والمجتمع والسياسة والفن (فتح كتاب) هو كل هذا هو فن عصر الفكر وعصفه لمجتمع يملك إرثاً غنياً لا ينضب وحواراته بلغت أفقاً تجاوز كل الاعتبارات السياسية والدينية, إنه مرجل الحياة وسينضح بالذي فيه، فتح كتاب هو خالقٌ لجيل يعرف إلى أين …ومن أين ….إنه حالة وطنية متكاملة وواضحة الرؤى المستقبلية.
جغرافية الفكر
في عالم تغيرت فيه جغرافية الفكر، واتسعت فضاءاته، كيف تخلق القراءة واقعاً ملتصقاً بالأرض؟ وقيمة الكم والكيف في القراءة، كيف يمكن التعاطي معه وتنظيمه؟
بسلان خضر: لماذا نقرأ؟ وماذا نقرأ؟ وكيف نقرأ؟ أسئلة تبدو غريبة، فنحن كائنات تعيش وتأكل وتتوالد وتعمل في شتى المجالات ومن ثم نموت، ما الذي يدفعنا إلى القراءة؟ وما السر الذي جعل القراء يتخلون عن النوم ليتموا قراءة نص الرواية أو الكتاب الذي بين أيديهم؟ كأنه سحر يصعب الفكاك منه، لكن لنسأل سؤالاً أكثر منطقية لماذا لا يدمن الناس القراءة؟ ويصبح مشهد الأفواج البشرية التي نراهم في المواصلات والأماكن العامة وهم يحملون الكتب اعتيادياً لا مألوفاً، أنا أقرأ لأن في الكتب ثمار العقول والأفئدة وبحار من التجارب الإنسانية وذاكرة العصور من آدم إلى الآن، ولأنني أعيش في أي زمان ومكان وفي أي حال أرغب، أنا اقرأ لكي أتعافى من الجمود والتقديس والعزلة البائسة والإحباط والملل واليأس والتعصب والكبت، أنا أقرأ لأن في الكتب صحبة لا يشوبها غش ونفاق ولا أخشى منها مرارة الخذلان، أنا أقرأ لأنه يمكنني أن أكون كاتباً جيداً ما لم أكن قارئاً جيداً، أنا أقرأ لأن في القراءة نوعاً من العروج إلى الخلود الذي يطمح له الجميع ويجهلون طريقه لعدم قراءتهم، إن حاجة مجتمعنا للقراءة كحاجته للتنفس والطعام والشراب، وفي هذا يقول الأديب ميخائيل نعيمة: عندما تصبح المكتبة ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ، عندئذ يمكن القول: إننا أصبحنا قوماً متحضرين، وهذا ما وجدته في مجموعة فتح كتاب الذي يحضره القراء من شتى المجالات والأعمار، وتدير نقاشه م. وصال يونس بعد انتقاء الكتب التي تزيد من سوية معرفتنا ووعينا وخبرتنا وتجاربنا.
دور القراءة وفاعليتها
بين خطاب لا يوازي الواقع وبين متطلبات العصر أين يقف دور القراءة وفاعليتها؟
منسقة النشاط وميسرة الحوار م. وصال يونس: نحن نقوم بتجربة ثقافية ترعاها جمعية مكتبة الأطفال العمومية في اللاذقية، أقوم بتنسيق الجلسات وتيسير الحوار، موعدنا كل يوم سبت من أول كل شهر نجتمع في قاعة المكتبة لنقاش كتاب يتم تحديد عنوانه مسبقاً على صفحة النشاط على موقع تواصل، نشاط لرفد الحالة الثقافية وتعزيز أهمية القراءة وتأكيد أهميتها في تنمية المجتمع، حيث وعلى مدى أكثر من ساعتين نتحاور بشكل منظم وراق فيه احترام لنظام الجلسة الذي أساسه الإصغاء وحرية الكلام واحترام رأي الآخر المختلف، ويتم نقاش أفكار الكتاب المطروح بحرفية واضحة نظراً لنخبوية القارئين المجتمعين، بدأنا بالأدب السوري، وأكملنا مع العربي والعالمي، في جلسات يجتمع فيها دورياً أكتر من 35 قارئاً، وأصدقاء الصفحة أكثر من ألف قارئ، وهدفنا ثقافي مدني، إيماناً مني بخلود الكلمة، وسمو فعلها، ووجوب الاعتناء بالعقول لتغذية الفكر والروح، لمحاولة المساهمة بنهوض البلد التي لا تعمرها الحجارة المزينة بل العقول النظيفة، ولابد أن نترك كمجموعة بصمة مهما صغرت، ولا بد أن نرسم خطوة على درب إعادة إعمار النفوس، سورية عظيمة وتستحق غير ما يحصل حاليا، تستحق أيضا العمل لإخراج مفهوم الثقافة من حيزه النظري ليصير فعلاً إنسانياً، وقيمة رفيعة مضافة لإنسانيتنا.
موت القراءة
موت القراءة في العالم العربي رغم ضخامة المعلومات وسهولة توفرها، كيف ترونه وأنتم تنشطون فعل القراءة؟
الشاعرة سارة حبيب: لا أوافق على فكرة موت القراءة بالمطلق، ثمة انتكاسات حدثت، وبالفعل لم يعد العرب قراء نهمين كما كانوا من قبل، لكن القراءة ما تزال حية وتنبض، مجموعتنا (فتح كتاب) واحد من عديد الأدلة على ذلك، فنحن على اختلاف ظروفنا ومشاغلنا واهتماماتنا نقرأ ونجتمع ونناقش وما زلنا نعامل الكتاب بالقدسية التي يستحق، هكذا نساهم كمجموعة، وغيرنا كثر، في التأكيد أن القراءة لم تمت، ولو خفّت وتيرتها..
القراءة نوعان
بين أنواع القراءات (الاستكشافية- التحليلية- الإبداعية- الناقدة) أيهما يحتاجها المجتمع السوري خصوصاً والعربي عموماً؟
مدرّس الرياضيات أكرم شاهين : القراءة نوعان : قراءة لأجل القراءة..! بمعنى موضة القراءة والادعاء بأنني أنا قارئ! والقراءة هنا هي للمتعة الذاتية والتوازن النفسي وتدريب للخيال والعاطفة، وهذا جيد طبعاً, وقراءة أخرى وظيفية تنويرية استشرافية، وهذه القراءة هي التي تتجذر بالأرض والواقع وتبني المستقبل, ما نسعى إليه في تجربة (فتح كتاب) هو دمج النوعين معاً، قراءة متعوية وظيفية مستقبلية لحياة أفضل.
الأدوات الثقافية
سئل فولتير عمن سيقود المجتمع البشري، فأجاب: الذين يعرفون كيف يقرؤون (هل نعرف ماذا نقرأ )؟
المدرّس سيف المحمود: ليس المهم أن نقرأ لمجرد القراءة، المهم ماذا نقرأ، ومحتوى الكتاب الذي نفتحه لنطالعه، ومقدار ما تقود هذه القراءة إلى تطور المجتمع الإنساني، ودفعه إلى الأمام، في السنوات الماضية في سورية كان الكادر التعليمي في المدارس والثانويات ومدراء المراكز الثقافية والأدباء والشعراء، هم الذين يحملون في جعباتهم أدواتهم الثقافية ويسهلون تداولها للناس، وكانت القراءة ظاهرة عامة وواسعة أكثر من هذا الوقت الذي زحفت فيه البدائل من تكنولوجيا ومشاغل واستهلاك، ومن هنا يتوجب النهوض بفعل القراءة بمختلف الوسائل ومنها هذه النشاطات الثقافية مثل نشاطنا (فتح كتاب)، وما يتضمنه من تحفيز على القراءة بتمعن وتدريب وخبرة نقاش ونقد وتحليل.
حالة حضارية
ما هو دور (فتح كتاب) في تعزيز دور القراءة الصحيحة في زمن سوري تعددت قراءاته وتداخلت وتاهت في ساحة الألم؟
نزيه الحسن: لقد أصبحت جلسات (فتح كتاب) الشهرية حالة حضارية راقية، الجميل فيها إن الحضور لم يكونوا يعرفون بعضهم، فهم من محافظات مختلفة جمعهم حب الكتاب، مما يعمق الحوار ونصل لنتائج لم تكن مرسومة, نختلف حول أهمية العمل الأدبي موضوع النقاش ومدى حاجتنا في الحالة السورية لهكذا عمل، ناقشنا أعمال خالد الحسيني وقارنا الحالة الأفغانية مع حالتنا وأوضحنا إن تقديمه للحالة الأفغانية يختلف عن حالتنا السورية ونحرص على أن يحمل العمل الأدبي قيماً أخلاقية، لذلك قلت في آخر جلسة عند مناقشة رواية (لأنني أحبك) لغيوم ميسو، عندما نناقش عملاً أدبياً فإننا ندفع آلاف الأشخاص لقرأته وهذه مسؤولية أخلاقية علينا لذلك بينا نقاط الاختلاف والمآخذ على العمل، ويمكن العودة إلى صفحة المجموعة على الفيس ومتابعة التعليقات, لقد عززت مجموعة (فتح كتاب) حب القراءة، وحرضت على النقاش، وحتى الاختلاف كان للوصول إلى رؤية أوضح لتحديد حاجتنا لمثل هذه الأعمال, أعتقد أن جلسات مناقشة أعمال حنا مينة والعجيلي ومنيف ومحفوظ ويوسف زيدان كانت من أعمق جلسات النقد الأدبي لن أنسى الإشارة إلى ما رافق الجلسات من تواصل اجتماعي أحدث صداقات راقية بين أشخاص من المحافظات السورية.
سلمى حلوم