الوحدة: ١١-٨-٢٠٢٣
حمدي موصللي اسم معروف في الوسط الثقافي السوري، والمسرحي بصورة خاصة. برز من بين نجوم سوريين كثر، وفي البلاد العربية، إذ أضاف لصناعة المسرح مكانة عريضة، كما ساعد في أن يقف المسرح على رجليه، ويستمر برغم العواصف العاتية!.
أشرف د.موصللي على العديد من الدورات في مجال السيناريو ومسرح الطفل وإعداد الممثل. وقام بتأليف وإخراج الكثير من الأعمال المسرحية، و “كوفئ” من قبل التنظيم الإرهابي “داعش” الذي احتل مدينة الرقّة ما قبل عام 2017 بحرق مكتبته التي تتضمن أكثر من ستة آلاف كتاب فضلاً عن بيته!.
د.حمدي موصللي، مهندس زراعي خريج جامعة حلب، ودبلوم معهد عال للفنون المسرحية نظام ثلاث سنوات “كيشنوف” ميلدوفا. دكتوراه أكاديمية العلوم ـ معهد الدراسات الشرقية ـ سان بطرس برغ، وعضو اتحاد الكتاب العرب، ومقرر جمعية المسرح في الاتحاد منذ عام 1995 ولغاية ٢٠٠٥م .
شغل رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بالرقّة بين 2005 ـ 2010.
وهو يرأس حالياً فرع اتحاد الكتاب بالرقة.
حصد العديد من الجوائز، وشارك في مهرجانات المسرح المتعددة.
شغل عضو هيئة تحرير صحف ومجلات ثقافية سورية عديدة (صحيفة الأسبوع الأدبي، مجلة الموقف الأدبي، مجلة الحياة المسرحية … وغيرها) أضف إلى تكريمه من قبل وزارة الثقافة السورية، والجامعة العربية عام 1993 بمناسبة فوزه بجائزة الإبداع العربي “الجامعة العربية” المخصصة للمسرح، وبمناسبة مئوية محمد تيمور في مجال المسرح، وتكريمه من قبل وزارة الثقافة، مديرية المسارح والموسيقى في عام 2008 . أصدر العديد من الكتب والبحوث والدراسات في النقد المسرحي، وأغلبها تم نشره في الدوريات والمجلات العربية، كما أخرج الكثير من الأعمال المسرحية التي تلامس هموم المواطن العربي.
في الواقع تعتبر تجربة الكاتب والباحث والمخرج المسرحي د. حمدي موصلّلي على مستوى الحياة والفن، تجربة غنية بمحطاتها المتنوّعة، واستطاع من خلالها أن يُؤسس لحضور إبداعي سوري وعربي متفرّد، و ما يؤكد ذلك، سلسلة الجوائز المحلية والعربية الدولية التي حصل عليها.
“الوحدة” التقت الدكتور حمدي موصللّي، وأجرت معه حواراً طويلاً عن المسرح، وعن كتابه الهام الذي صدر عن الهيئة العربية للمسرح بالشارقة 2022 وكان الحوار التالي :
– ماذا عن الأدب المسرحي والعرض المسرحي في سورية والوطن العربي في ظل المتغيرات المعرفية والعلمية وثورة الاتصالات ؟.
* لا بد من التأكيد على أن شأن الأدب المسرحي والعرض المسرحي في سورية اليوم، شأنه في أغلب البلدان العربية على الرغم من تفاوت تجاربها. هو ظاهرة متأخرة جداً بالنسبة إلى سائر الفنون الأدبية التي قطع بعضها أشواطاً جيدة في التطور مثل: الرواية، القصة القصيرة، وأعتقد إذا ما تجاوز عقد تأخره فلن ينهض، وأعود وأذكّر كما ردّدت مراراً: لطالما أن المسرح هو ظاهرة ثقافية جمالية وحضارية، فهو وليد حاجة اجتماعية نفسية من جهة، وفنية فكرية من جهة أخرى، ذلك لأنه جامع لسائر الفنون الأدبية، ولكي يزدهر لا بد له من مساحة من النبت الديمقراطي، أو مناخٍ ليبرالي مناسب على الأقل ،حتى يتمكّن من تأدية دوره. وهذا لم يتوفر له بعد، وإن توافر فهو في إطار ضيّق جداً، وهذا أحد أهم أسباب أزْمَة المسرح برأيي. أمّا عن وظيفته في ظل ثورة الاتصالات والمتغيرات، إضافة للأسباب السابقة التي سقتها في متن حديثي هو أن المسرح العربي مازال يحبو، ولم يصل بعد إلى مرحلة الوعي لخصائص نضوجه التي مازال يفتقدها، ولم يؤسس لها أسباب النضوج العلمية التطبيقية والمعرفية الفكرية في ظل مجموعة متغيرات سياسية تاريخية اقتصادية اجتماعية فكرية وفنية .
– تُتَهم على أنك أحد صائدي الجوائز. فقد نلت أكثر من جائزة في القصة القصيرة، وفي المسرح تأليفاً وإخراجاً محلياً وعربياً. ماذا تقدم الجائزة للأديب من حافز مادي ومعنوي برأيك؟
* الجائزة بكلمات مختصرة جداً أوّل ما تعنيه لي التجاوز والاستمرار والوجود، وعدم التوقف والاستسلام لها. لأن الجائزة بحد ذاتها لا تصنع أديباً، بل هي أداة تحفيز لكي يستمر العطاء ـ ويستمر تطور الكاتب نحو الأفضل من خلال الاستزادة المعرفية، وفهم التعامل مع الأدوات الإبداعية وفهم أكبر للعلاقات الإنسانية بكل أشكالها وإشكالياتها المختلفة. أعترف أنني خلال أكثر من ربع قرن حصدت جوائز كثيرة في القصة القصيرة والنص المسرحي والإخراج المسرحي في سورية، وفي غيرها من البلدان العربية. أذكر منها جائزة الإبداع المسرحي العربي ـ جائزة مئوية محمد تيمور لعام 1993 بالقاهرة، وجائزة أفضل إخراج مسرحي في مهرجان الرقّة الدولي الثالث للمسرح عام 2007م، الجائزة التشجيعية لاتحاد الكتاب العرب عن مجمل مؤلفاتي المسرحية لعام 2007م، جائزة الأسبوع الأدبي لعام 1992م، جائزة أفضل إخراج مسرحي للمسرح الجامعي عام 1999م مدرج جامعة حلب، جائزة القصة القصيرة للجامعات والمعاهد السورية مناصفة مع القاص نجم الدين سمّان عام 1982م، وهناك جوائز عديدة أخرى في المسرح، ومسرح الطفل تأليفاً وإخراجاً، وأخيراً جائزة الدكتور نبيل طعمة ـ دورة أبي خليل القباني لعام 2011 حيث نلت الجائزة الأولى، وتعتبر هذه الجائزة من أهم الجوائز الأدبية العربية في حينها، و لمكانتها الأدبية الرفيعة وقيمتها المادية الكبيرة.
– من آنٍ لآخر يثورُ نقاشٌ وتحتدمُ المعارك بين مختلف الفرقاء، بين من يُفضلون اللهجةَ العاميةَ لغةً للحوارِ المسرحي، وبين من يُفضلونَ الفُصحى، وهذه المعاركُ حتى تاريخِه لم تُسفر عن نتيجةٍ نهائيةٍ حتى أضحت هذه المعارك مشكلة.
أنت مع من؟ وأيهما تفضل الكتابة بالعامية أم بالفصحى؟.
* ما أسلفت جزءاً من المشكلة التي وقع فيها المسرح العربي الذي يعيش أزمة احتضاره. هو النصّ المسرحي العربي بشكليه الفصيح والعامي، وأقصد هنا ثنائية التناقض بين الفصحى كلغة والعامية كلهجة. معظمُ العاملين في المسرحِ، ومن كلِّ الاختصاصات أدركوا بأن مسرحنا العربي يعيشُ أزمة لكنهم يختلفونَ في تحديدِ أسبابِها.
وقد أظهرَ بعضهم عيوبَ هذا المسرحِ في أبحاثِهم ودراساتِهم التي تناولت هذه الأزمةَ جزئياً أو كلياً، فكتب فاروق عبد القادر ” ازدهار وسقوط المسرح العربي في مصر “، وفريدة النقاش ” لعبة المسرح بين القطاع العام والخاص “، و كتب إبراهيم حمادة ” البحث عن قالبٍ مسرحيٍّ عربٍي جديد “، وكتب توفيق الحكيم ” قالبنا المسرحي “. وفي سوريةَ الأسماء عديدة، فكتب عبد الله أبو هيف عن ” الإنجاز والمعاناة في المسرح السوري “، ورياض عصمت في كتابيه “بقعة ضوء” و “ضوء المتابعة”، وعبد الفتاح قلعجي في كتبه العديدة منها: “مسرح الريادة 1988″، وكتاب “سحر المسرح” وغيرها، وفرحان بلبل في كتابه الهام “المسرح العربي في مواجهة الحياة”، وكتّاب آخرون أثرت دراستُهم واقعَ المسرحِ السوري المعاصر.
فرحانُ بلبل في كتابه “المسرح العربيُّ في مواجهة الحياة” لخص عيوبَ أو أسبابَ هذه الأزمةِ .. وبيَّن أهمَ النقاطِ التي كانت تقفُ عائقاً في طريق تطورهِ .. نذكرُ منها:
ـ أولويةُ النصِ الأجنبي على المحلي والعربي (عقدة النص المترجم).
– عجزُهُ عن جرِّ الجماهيِر إليهِ.
– موقفهُ من القضايا الملحةِ في حياتِنا الاجتماعيةِ موقفاً حيادياً.
– افتقادُه لخطة في انتقاءِ أعمالهِ المسرحيةِ.
هذا كله يبرز ضعف إمكانيةِ النص المحلي أو العربي على مزاحمةِ النصِ الأجنبي، فهو (أيّ النصّ المحلي أو العربي على الغالب يعيشُ خارجَ إطارِ التحولاتِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ والاقتصاديةِ في عمقها وصلب علاقاتها، أما عن عجز اللغة في شقيها الفصيح والعامّي ناجز عن عدم قدرتها على المواكبة والعصرنة إذا جاز التعبير، وما تتطلبهُ من تطورٍ في لغةِ المسرحِ (على مستوى الحوار) والارتقاء بها، فمنهم من يرى بالعامية الخلاص (مستقبل العربية)، منهم: سعيد عقل، يوسف الخال، والأردني عبد الرحمن بوشناق. حيث يؤكد بوشناق وجود لغتين إذ يقول: “لغتُنا الفعليةُ الحقيقية هي العربية العامية وليست الفصحى” .. والمفكر العربي المصري أحمد لطفي السيد الذي يقول: “إنَّ الطريقةَ الوحيدةَ لإحياء اللغةِ هي إحياءُ لغةِ الرأيِّ العامِ بحيثُ تستوعبُ العاميةُ الفصحى”.. وتتسعُ القائمةُ لتشمل سعد الدين وهبة، نعمان عاشور، عبد العزيز مقالح، عبد الحميد يونس، وعصام محفوظ وغيرهم.
– عصام محفوظ ..في كتابه المسرحُ مستقبلُ العربيةِ يقول: “أعتقد أنَّ بدايةَ الخروجِ من الطريقِ المسدودِ هو الاعترافُ الرسميُّ بالواقعِ اللغويِّ المريضِ، وبأنَّ حركةً تصحيحيةً بتوجهٍ رسميٍّ لإعطاءِ المتغيراتِ في اللغةِ حظها في تقريب الفصحى من الحياة، أمرٌ ضروريٌّ، مع استمرارِ الفصحى القديمةِ لغةً للدينِ والدواوين”. أريد هنا أن أقولَ أنّ ثمّةَ لغة للحوار المسرحيِّ، والمسرحياتِ تكتبُ بكل اللغاتِ بالفرنسيةِ والإنكليزيةِ والألمانيةِ والروسيةِ والعربيةِ الفصحى والعاميةِ .. الخ .. ومع ذلك بعضها مكتوبٌ بلغةٍ جيدةٍ، وأخرى ضعيفةٍ وركيكةٍ ساكنةٍ .
– يقول المسرحي الكبير (عبد الفتاح رواس قلعجي) في مقدمته عن كتاب الوجيز في تاريخ المسرح العالمي: “الباحث والكاتب المسرحي د. حمدي موصلّي يعيد إلينا نهج الباحثين والمصنفين الأوائل العرب في إيجاز المؤلفات الكبرى فما أهمية كتابك الأخير تحت عنوان: (الوجيز في تاريخ المسرح العالمي) الذي صدر عن الهيئة العربية للمسرح بالشارقة عام 2022م ..
* عشرون عاماً ونيّف وأنا أحضّر وأكتب في هذا الكتاب الأوّل من نوعه في المكتبة المسرحية العربية كمختصر لتاريخ المسرح، والذي اعتبره عدد من الباحثين بأنه ثورة معرفية كبيرة هامّة قرّبت لمن أراد البحث والدراسة، وللمتتبع لتاريخ المسرح أن يجد في الوجيز ما يرغب من معلومة أو أكثر تفيد في البحث والاستزادة.
أقتبس جزءاً ممّ جاء في مقدمة الكتاب للمسرحي الكبير عبد الفتاح قلعجي: “هذا الكتاب يقدم لنا حكاية المسرح في العالم في سرد حر متراتب ومحبب، وفي بحث علمي في آن واحد، فيه روح الكاتب المسرحي المبدع، وروح الباحث المدقق الذي يردُّ المعلومات دائماً إلى مصادرها. وهو يوجز حين يجب الإيجاز، ويفصِّل حين يتوجب التفصيل؛ بهذا تكمن متعة قراءته، ولا يغفل الكاتب جهود الآخرين الباحثين في المسرح. وتشكل هوامشه وإحالاته دعوة إلى العودة إليها للاستفاضة. قسّم الكاتب مؤلفه هذا إلى ثلاثة فصول سمّاها أجزاءً، وهي:
– المسرح في الحضارات القديمة.
– المسرح في عصر النهضة.
– العرب والمسرح.
وكان من الطبيعي أن يضع الفصل الثالث العرب، والمسرح مع نتاج وتاريخ حكاية المسرح العالمي. فقد دأب كثير من المسرحيين العرب على اعتبار كل ما هو نصّ أجنبي عالمياً وإغفال المسرح العربي من العالمية، مثلما تمّ من قبل إغفال المسرح الشرقي من العالمية، علماً بأن نتاج المسرحي العربي بالنسبة للدارسين المنصفين في الطرف الآخر له موقعه في مسرح العالم الكبير، أي هو عالمي أيضاً. ومن يعد إلى النصوص العربية يجد أن كثيراً منها يصارع بل ويفوق أحياناً نتاج المشاهير في المسرح الغربي، ولكن المسألة هي مسألة ترجمة وإعلان وإعلام، وسيطرة فكرة الغرب المعلِّم الخاطئة على عقولنا. يتميز هذا الكتاب بغزارة المعلومات ودقتها العلمية والمرجعية، وعرض الآراء الخاصة بالمؤلف في ثنايا ذلك، وبالصدق في المجالات التي لم يتح له الحصول فيها عن المعلومات المطلوبة فكثيراً ما كان يلجأ إلى الزملاء الباحثين في هذا المجال، ويذكر ذلك مع الاحترام الكبير للمصدر مع التوثيق. إنه يعيدنا إلى الزمن الذي كان فيه الأوائل من باحثينا ومصنفينا يعتمدون اللجوء إلى المراسلة أو السفر للحصول على المعلومة”.
– سعدالله ونوس، ممدوح عدوان، عبد الفتاح قلعجي، فرحان بلبل، وليد إخلاصي، وليد فاضل، هيثم الخواجة، رياض عصمت، فرسان المسرح السوري والعربي .. أين تضع نفسك من بين هؤلاء؟.
* رحم الله من مات منهم، وأمدّ الله بأعمار من هم أحياء. هؤلاء كانوا كباراً في زمنهم، ومازال البعض منهم يعطي بتميّز، وسورية بلد عظيم بإمكانها أن تنجب فرساناً في مجال المسرح وفي بقية الفنون. وأنا أعتزّ أن أكون من بين هذه النخبة.
مهى الشريقي
تصفح المزيد..