العدد: 9354
الأحد-26-5-2019
منذ عدّة سنوات كتبت مقالاً بعنوان (قبل أن تمتطي الشّبكات حاذر من الوّقوع في شباكها) كان المقال موجهاً إلى الذين اتخذوا من الشّبكات متاريس للهجوم والتشهير والإساءة أو للهو والاستعراض وأهداف أخرى لا تخدم المجتمع وقضاياه.
لكن بعد تجارب عدّة وجدت أننا نستطيع النّظر إلى النّصف الممتلئ من التعامل مع التقنيات و الشبكات وخاصّة إن أُحسن استخدامها، لا يمكننا أبداً نغفل عن تعلّق الجيل بالتقنيات فإننا نجد طالباً اليوم طالب القرن (21) إمّا يلعب أو يتصفح أو يصمم ويخطط عبر استخدامه للأجهزة الذّكية وتطبيقاتها وحتى نواكب القرن الحادي والعشرين علينا أن نواكب تطورات وتقنيات هذا العصر.
وبكلّ تأكيد وجدنا أنَّ التّقنيات قد خلقت جوّا ًأكثر متعة وجاذبية لدى المتعلمين وفرزت نموذجاً تعليمياً تَعلمّياً يحوّل البيئات المدرسية إلى بيئات محببة ومشوقة تُرغّب المتعلمين بالتعلّم وتزيد الدافعية نحو التعلّم لأنها تلبي ميولهم وطموحاتهم و تراعي أنماط تعلمهم وأنواع الذكاءات والفروق الفرديّة بينهم.
عندما تمّ رمي الحجر في بحيرة المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية أخذت الدوائر تتشكل وتحدث عدم استقرار على سطح البحيرة المعرفيّة وبدأت الهجمات تتوالى على المناهج و أخذ التلفيق والتضليل ينتشر بروائحه المخلوطة مع رائحة ما كان يُطبخ للوطن في مطابخ الماسونية والغرف السوداء في دول التآمر.
وهنا قمت بإنشاء شبكة (المنبر التربويّ) وطلبت فيها من الأعضاء من كافة مديريات تربية القطر ومن جامعاته الهدوء و النّقد البنّاء ضمن آلية واضحة وهي وضع اسم المادة والمؤلف ورقم الصفحة والخطأ والصّواب والمقترح وبدأ الَغيرون على مصلحة الوطن بإرسال الملاحظات والمقترحات وكان مدير المركز الوطني لتطوير المناهج مراقباً سعيداً لأنّ المناهج المطوّرة حرّكت الساكن وقامت بتفعيل دور المجتمع وشاركته في بناء المناهج.
وأخيراً وصل الحجر إلى قعر البحيرة وعاد الهدوء والسكينة واستمر التطوير ودخل المرحلة الثانية وبرزت بعض المشكلات في الفهم الخاطئ للمشروعات او للمهارات الحياتية المتضمنة في المناهج وأصبح الأهل أكثر رغبة في المشاركة والقفز من فوق أسوار المدارس للدخول ومشاهدة ما يجري وأصبح هناك ضرورة ملحة لدى الكوادر التعليمية والتدريسية للتواصل مع الأهل وتوضيح دورهم في المنهج وفهم آليتها، هذا أدى إلى التواصل الالكتروني عبر شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة وبرزت أنواع جديدة من الاستراتيجيات والطرائق (كالصّف المقلوب) التي تحتاج إلى شبكات تواصل بين المدرسة و البيت، وبدأ التنافس وأخذ أشكالاً متعددة فمنه الهادف ومنه الاستعراضي وفي مرحلة من المراحل وجدت أن بعض المعلمين المبدعين ينشرون دروساً على صفحاتهم الشخصية أو على صفحات مدارسهم. وهنا اقترحت منعاً لانتشار الخطأ وتعميمه أن تكون هناك مسابقة سنوية لذوي المهارات والكفاءات التقنية العالية في تصميم الدروس التوضيحية و العروض التقديمية أو الفلاشات والألعاب و البرمجيات التعليميّة وعندما بدأت المسابقة وجدنا أن هناك العديد من المبدعين داخل الصف لكن تنقصهم مهارة تصميم الدروس ولديهم حرج في المهارات التقنية فأقمنا دورة (الوسائط المتعددة الداعمة لمسابقة المواقف التعليمية الداعمة للمناهج المطورة في سورية).
و لابدّ أن نشير إلى المشروع الوطني الكبير في الانطلاق بالمنصات التربوّية التي بدأت بمنصة في مركز التطوير ثمَّ في دمشق وقريباً في عدد من المحافظات السوريّة.
وكان لشبكات التواصل الاجتماعي دورٌ هامٌ في تعزيز قدرات المعلمين في تطبيق المناهج المطوّرة لأنها أدّت إلى التشاركية وتبادل الخبرات والتفكير بصوت مسموع والنقد البناء وتلقي المقترحات والمبادرات وتصويبها و وضعها على السكة الصحيحة و المساهمة الفعالة في دعم أيّ حراك تربوي يخدم العملية التعليمية وأصبح لدينا العديد من المجموعات النشطة التي تتسابق في نشر الاستراتيجيات والطرائق والمعلومات المفيدة.
انتهت المرحلة الثانية من التأليف وبدأت المرحلة الثالثة وكان أحد عنوانيها التطريب التخصصيّ الذي ترافق مع تأليف أدلة تخصصيّة ومصادر تعلّم.
وكان من أحد سمات مركز تطوير المناهج نشر المناهج على صفحة المركز قبل دفعها للطباعة ليتسنى للمدرسين وللمعلمين في كافة أنحاء الوطن الاطلاع على المحتوى وتقديم تغذية راجعة عبر الملاحظات والمقترحات.
الآن بُدئ العمل بشكل مدروس لإعداد فعّال ومتدّرب فعّال يخضع كل متدرب إلى اختبار في نهاية كلّ دورة تدريبية وعلى كل مدّرب متابعة التدريب ومخرجاته في الميدان. وهذا لا يتم إلاّ عبر شبكات التواصل بين المدرب و المتدربين وبين المدربين والمركز وسيكون لدينا في منتصف العام القادم مركزٌ وطنيٌ للتدريب يضاهي في جدواه و أهدافه ومخرجاته المراكز العالميّة.
نحن نعلم أن جميع الأفعال التي نقوم بها والأفكار والسلوكيات تبدأ من مركز الوعي والتخطيط في العقل البشري وتنتقل عبر الوصلات الدماغية والأعصاب إلى مراكز الحركة فتحدث الفعل المطلوب، وبالمقارنة نجد أنَّ استثمار شبكات التواصل الاجتماعي بشكل مناسب يرفع من قدرات وكفايات المعلمين في تطبيق وتيسير المناهج المطوّرة وخلق تعلّم أكثر متعة وتسويقاً بما يناسب طالب القرن الحادي والعشرين والنهضة في عالم التقنيات والتكنولوجيا العالميّة.
باسم ابراهيم شرمك